أ.د.عثمان بن صالح العامر
تذكر كتب التاريخ أنه ظهر في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه, رجل يُدعى (الأصيبيغ) أعلن إسلامه وبدأ يثير مسائل في صميم القرآن والحديث بحثاً عن الشهرة وعلو الشأن في زمنه.
ومن المسائل التي أثارها قوله: أنتم تقولون محمد أفضل من عيسى ولذلك فإن محمداً سيعود للدنيا مثل عيسى والقرآن يؤيد ذلك في الآية {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} (85) سورة القصص.
فاحتار عمرو بن العاص رضي الله عنه، وأرسل إلى عمر رضي الله عنه يستفتيه، فقال له: أرسل لي هذا الأصيبيغ وإياك أن يفلت.
وعندما أحضره الجنود جمع عمر الصحابه رضي الله عنهم في المسجد ثم أدخله عليهم، وقال له: سمعنا يا أصيبيغ أنك تقول بكذا وكذا... فهل هذا صحيح؟
فقال الأصيبيغ: نعم.
فقال عمر رضي الله عنه: وهل تسأل أيضاً عن مسائل أخرى؟
فقال: نعم، أسأل عن كذا، وكذا وأبحث عند أمير المؤمنين عن إجابات لأسئلتي؟ فقال عمر رضي الله عنه: سأجيبك حالاً، ونادى الجلاد داخل المسجد وقال له:
يا جلاد اجلد... فجلده الجلاد حتى أغمي عليه.
فقال عمر رضي الله عنه: طببوه.
وبعد أن طُبب أحضره مرة أخرى وقال: يا جلاد اجلد فجلده الجلاد حتى أغمي عليه.
فقال عمر رضي الله عنه: طببوه.
وبعد أيام أحضره للمرة الثالثة وقال: يا جلاد اجلد فجلد حتى غاب وعيه.
فقال عمر رضي الله عنه: طببوه.
وفي المرة الرابعة، قال عمر: يا جلاد، فقاطعه الأصيبيغ: يا أمير المؤمنين، أقسم بالله أن لا أسأل عن هذه الأمور ما حييت.
فأوقف عمر الجلاد وأمر بإرساله إلى الكوفة.
فصاح الأصيبيغ: أهلي ومالي.
فقال عمر: اذهبوا به إلى الكوفة فإنَّ فيها أميراً لا تقوم عنده فتنة إلا قطع رأسها.
تم إرساله إلى الكوفة وعاش الأصيبيغ هناك وحسن إسلامه.
وبعد نهاية الخلافة الراشدة وعندما ظهر المعتزلة وأهل الكلام بعد ذلك قالوا بمثل ما قال به الأصيبيغ.
فذهب إليه بعض الناس وكان شيخاً كبيراً، فقالوا له: قد ظهر رجال يقولون بقولك يا أصيبيغ فلم لا تكون معهم؟، فتحسس الأصيبيغ ظهره وقال: لا والله، فقد علمني الرجل الصالح..
إن من أعظم ما تصاب به الأمم ويقترفه الأفراد الانحراف العقدي، ومن ثم إثارة الشبه التي تفسد على المسلمين إيمانهم، وأعظم هذا الانحراف إنكار وجود الله والعياذ بالله فهو مناقض للفطر والعقول فضلاً عن الشرائع والأديان الصحيحة.
ومن بين القضايا الحية التي هي بلا شك من بين أخطر القضايا الفكرية على الساحة الإسلامية قضية (الإلحاد الجديد) الذي كثر الكلام حوله هذه الأيام، وهذا النوع من الإلحاد ولد ردة فعل على أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وأول من سك هذا المصطلح الصحفي الأمريكي (جيري وولف) في مقال نشره سنة 2006م بعنوان (كنيسة غير المؤمنين)، وسرعان ما انتقل وغزا العالم الإسلامي عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وهو - الإلحاد الجديد - له سمات وخصائص تميزه عن الإلحاد التقليدي المعروف، كما أن له اتجاهات ومدارس متعددة، ووسائل وأساليب ملتوية قد تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على جيل اليوم المسلم، خاصة أن من خصائصه ادعاء التمسك بالعلم، وامتلاك القدرة على تقديم تفسير عقلي معرفي مقنع للعالم دون الحاجة إلى إله، واللعب على دغدغة مشاعر الشباب والفتيات بشعارات الحرية والتقدمية في فهم الحياة وتفسير الكون وإدراك حقيقة الإنسان وذلك من خلال الحملات التبشيرية الداعية لنبذ الدين عموماً ودين الإسلام على وجه الخصوص، وإنكار وجود الله والعياذ بالله، وهذا مكمن الخطورة.
ومع واجب الاعتراف بجهود حكومة المملكة العربية السعودية والعلماء الربانيين والمفكرين المتخصصين وطلبة العلم المصلحين والمؤسسات الرسمية الشرعية منها والأكاديمية في هذا البلد المبارك أرض الحرمين الشريفين، مهبط الوحي، قبلة المسلمين، في بذل كل ما من شأنه المحافظة على سلامة التوحيد وحماية جنابه من الشرك والتطرف والإرجاء والتصوف والاعتزال و... إلا أن وجود مراكز متخصصة لبث هذه السموم والتغرير بالشباب والفتيات تحت ستار الحرية العقلية، والتفكير المنطقي، والتسامح العقدي، تحتاج إلى جهود إسلامية - جماعية، تكاملية، شمولية، رسمية وشخصية - مضادة، فالتوحيد عزيز، ولا يقبل مسلم حق أن ينال بسوء فكيف إذا كان التشكيك منصباً على الذات الإلهية تعالى الله {عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا}، حفظ الله علينا عقائدنا، ووقانا شر الفتن والشبه ما ظهر منها وما بطن، وإلى لقاء والسلام.