عبدالله إبراهيم الكعيد
كتبت عن ذئب الأفكار قبل أسبوعين. وهل أنا اليوم أكتب عن ذئب الكتابة كما أسماها الزميل الدكتور علي الرباعي في مهاتفة بيننا حينما كنت أقترح عليه وهو البارع في التحقيقات الصحافية الثقافية أن يُفرد مساحة عن حكاية الاحتباس الكتابي.
أجريت مكالمات هاتفية متعددة ببعض ممن أعرفهم من الشعراء وكُتّاب القصّة والرواية وحتى كتّاب الأعمدة الصحافية وطرحت عليهم سؤالا عن تجاربهم في الاحتباس الكتابي.
اكتشفت أنني وجهت ذلك السؤال غير المناسب للشعراء فهم في الغالب لا يقررون من ذوات أنفسهم كتابة الشعر، بل القصائد هي التي تقرر متى يقولها الشاعر ويكتبها. خلاف كاتب النثر فهو الذي يحدد الموضوع وأيضا يحدد طريقة التناول. الأفكار كما قيل «ملقاة على قارعة الطريق» والبارع من يلتقطها، يلاعبها، يلاطفها حتى تجود عليه بغيثها فيكتبها.
مما سمعت من كُتّاب الرواية تحديدا أن بعضهم قد مرّ بما يُسمى بالاحتباس الكتابي رغم وجود الفكرة ونضوجها في اذهانهم. رغم (ربيع) الخيال المزهر لديهم بشكل كافٍ، إلا أنهم لا يشعرون بالرغبة في الكتابة وكأن اصابعهم قد كبلتها قوىً غير منظورة. أما كُتّاب الأعمدة الصحافية فقليل منهم من يمر بمرحلة الاحتباس الكتابي بسبب التعوّد الروتيني اليومي والذي ربما يشبه إدمان الكتابة. تصبح الكتابة هنا كوجبة الطعام لا يستغني عنها الكاتب وبالتالي لا يستطيع الانقطاع.
تعبير الإنطفاء الكتابي في عنوان حكاية اليوم اقتبسته من كتاب للروائي الياباني هاروكي موراكامي في مذكراته التي دونها عن ممارسته رياضة الجري، فيقول ان بعض الكُتّاب الذين كتبوا في شبابهم أعمالا رائعة جميلة وقوية يكتشفون لاحقا ان الإرهاق قد استحوذ عليهم فجأة حين يبلغون عمراً معيناً.
أنا هُنا ربما أختلف مع تشخيص السيد موراكامي بأن الإرهاق هو سبب ذلك الانطفاء فالإرهاق قد يزول مع الوقت وأخذ قسطا من الراحة ثم معاودة الركض الكتابي. أيضا لا أرى بأن التقدّم في العمر قد يؤدي بالروائي للانطفاء. كم كاتباً بلغ من العمر عتيّا وهو يزداد تألقاً ونضجاً وانتاجاً ابداعياً، بل أن بعضهم بدأ يكتب بغزارة حين تقدّم به العُمر لأنه أصبح يمتح من بئر تجاربه العميق والغزير في آن.
ثم لا ننسى أن هناك كتاباً/ كاتبات ينطفئون بعد التجربة الأولى، الإنتاج الأول، الشوط الوحيد وهم في قمة لياقتهم الجسدية والفكرية. فهل يمكن أن نشخّص حالة هؤلاء بمتلازمة الإرهاق الكتابي؟ وهذا يقودنا الى التساؤل عن الهدف من الكتابة أصلاً؟ فالكاتب الذي يعي لماذا يكتب وما هي دوافعه الحقيقيّة من الكتابة والنشر لا أظن بأنه سيتوقف من الشوط الأول وينسحب للأبد.
المدهش أن الروائي الكبير موراكامي يعتقد جازما بأن الطاقة الإبداعية للكُتّاب الذين انتجوا اعمالا جميلة في حالة تدهور والسبب يعود لعجز طاقتهم الجسدية عن التغلّب على ما اسماه بالسمِّ الذي يتعاملون معه. كأن الياباني موراكامي يود أن يقول أن العقل السليم في الجسم السليم وهو ما لا اتفق معه في كل الأحوال.