خالد بن حمد المالك
يفترض بالدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، تلك التي تنفرد باستخدام حق الفيتو ضد أي قرار لمنعه من الإقرار متى كان في ذلك مصلحة عالمية، يفترض أن يكون هذا دورها، ومسؤوليتها وتوجهاتها، غير أن ما نراه أنه يأخذ خطاً معاكساً، وضد مصالح الدول والشعوب، وأصبح هذا الحق باستخدام حق النقض يُسخَّر لمصالحها، ومناكفاتها، ونظرتها الاستعمارية.
* *
حتى الاكتفاء بالإدانة لأي تجاوز من هذه الدولة ضد تلك لا يتم تمريره في مجلس الأمن، مع أنه لا يعدو أن يكون إجراءً لامتصاص ردود الفعل الغاضبة ضد أي أعمال عدوانية، مع أنه يفترض أن تُعاقب الدولة التي تتصرَّف بما يخل بالأمن والسلم العالميين لو كان استخدام حق النقض يتجه نحو مصلحة العالم.
* *
هذه الصورة القاتمة لممارسات وتصرفات ومواقف الدول دائمة العضوية فرَّغت مجلس الأمن من أهميته، وجعلته هامشياً في التعامل مع القضايا العالمية الساخنة، وأصبحت قراراته متوقفة على مزاج هذه الدولة أو تلك، وكأن هناك تواطؤاً بين الدول دائمة العضوية، بحيث تتناوب على استخدام (الفيتو) كل وما يلبي سياساتها ومصالحها.
* *
أمامنا الآن أحكام من محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل ورئيس وزرائها ووزير الدفاع في حكومتها يفترض أن تذعن إسرائيل لها، وتلتزم بها، وإذا ما رفضت هذه القرارات فعلى مجلس الأمن أن يمارس صلاحياته ويلزم إسرائيل بالقوة بتنفيذها، غير أن الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل جعل من إسرائيل دولة خارج القانون، ودولة متمردة لا تلتزم بما يمنعها من استمرار احتلال فلسطين وقتل الفلسطينيين.
* *
تمرد إسرائيل على القرارات الدولية، وإصرارها على رفضها بالجملة سببه الموقف الأمريكي، فقرارات المحكمة الدولية تم تعامل واشنطن معها بالرفض، وأن المحكمة ليست جهة اختصاص، وأن المساواة بين حماس وإسرائيل خطأ جسيم، وأنها سوف توقع عقوبات على رئيس وأعضاء المحكمة، ما جعل إسرائيل تطلق - بسخرية - مسمى محكمة العدل الإسلامية بدلاً من محكمة العدل الدولية، وتتهمها بأنها ضد السامية وضد اليهود، في كلام لا يصدر إلا من دولة أمنت العقوبة، فكان هذا رد تل أبيب.
* *
ميزان العدل المفقود، وقرارات الشرعية الدولية الغائبة لا تتحمَّله إسرائيل وحدها بالتأكيد، إذ إن أمريكا هي من يحمي إسرائيل من عدم تطبيقها، وهي من تشجعها على رفضها، والإمعان على ممارسة ما يخالفها دون خوف أو وجل، وطالما أن واشنطن تقف هذا الموقف الأعمى ضد كل ما يمس إسرائيل ويحاسبها على جرائمها، فقد وصل الأمر بإسرائيل إلى التعامل مع أمريكا الند للند بعد أن تعمّق نفوذها في أمريكا إعلامياً واقتصادياً وسياسياً، وبعد أن أصبحت الانتخابات ونجاح الفائزين فيها مرهونة بورقة إسرائيل، ومن يقدم من الحزبين الدعم الأكبر لها.
* *
والآن، وبعد قرار محكمة العدل الدولية، ماذا سيعمل مجلس الأمن أمام رفض إسرائيل للقرارات، والإصرار على الاستمرار في ممارسة حرب إبادة ضد الفلسطينيين، وهو المجلس العاجز حتى اللحظة عن إطلاق ولو مناشدة حبية لإسرائيل لتتوقف مجازرها عند قتل أكثر من 35 ألف شهيد، وأكثر من 80 ألف مصاب، وتحويل قطاع غزة إلى أرض محروقة، فضلاً عن منع الدواء والغذاء عن الفلسطينيين ليموت منهم جوعاً من لم يمت بالسلاح؟
* *
لا تتفاءلوا كثيراً بحلول ترضي المهمَّشين والضعفاء، ومن ليس له داعم كبير كأمريكا، فالعالم أمام موازين مختلفة، وغير عادلة، ما جعل الأمن والاستقرار وحقوق الإنسان في حكم المغيبة إلى حين!!