أ.د. يحيى بن محمد شيخ أبو الخير
متن هذا المقال مستل بتصرف ومُزَيّدُ من محاضرة شرفت بإلقائها مساء يوم الاثنين 20-10- 1445 للهجرة الموافق 29-4-2024 للميلاد في قيصرية الكتاب بالرياض بالعنوان نفسه الذي وسمت به هذا المقال وذلك بدعوة كريمة من حضرة أخي الوفي الجليل الفذ المخلص الخلوق الحبيب المضياف سعادة الأستاذ أحمد بن فهد الحمدان المشرف العام على القيصرية. وقد أدار المحاضرة والحوار المصاحب لها مشكوراً الصديق الوفي الزميل والباحث الآثاري البارز والأكاديمي المرموق القدير سعادة الأستاذ الدكتور سعد الراشد. وقد شهد اللقاء نخبة مميزة من الأصدقاء والزملاء الأكاديميين والمثقفين وعشاق الكلمة والفكر والثقافة من الجنسين المحبين للأستاذ الدكتور عبد الرحمن الطيب الأنصاري -طيب الله ثراه. ومن أولئك الذين حضروا اللقاء ابنة الفقيد -رحمه الله- سعادة الزميلة الكريمة الأستاذة الدكتورة لبنى بنت عبد الرحمن الطيب الأنصاري الأكاديمية والباحثة المرموقة بطب الأسرة والمجتمع بجامعة الملك سعود، عضو مجلس الشورى سابقا، المساعد السابق للمدير العام لمنظمة الصحة العالمية لشؤون القياس والتقييم التي توجت حضورها مشكورة بمداخلتها الضافية المؤثرة المفيدة المتعمقة فكراً ومحتوىً راجياً أن استحق بعضاً مما ورد في مداخلتها الثرية من الثناء وحسن الظن بي. وقد صحبت الدكتورة لبني إلى اللقاء ابنتها المصونة فرح منير التركي التي لفت انتباهي اهتمامها الملحوظ مشكورة بجدها الفذ -رحمه الله- وحبها ووفاؤها له وحرصها على حضور مناسبات تأبينه وتكريمه -رحمه الله - وتفاعلها المشهود مع تلك اللقاءات. كما حضر اللقاء كل من ابني الكريم القدير سعادة الدكتور المهندس هاني بن عبد الرحمن الأنصاري، وابني الجليل الرائع سعادة الأستاذ عبد العزيز بن عبد الرحمن الأنصاري اللذان ازدان بهما وبأختيهما د. لبنى ونجلتها فرح اللقاء واستضاء. وأسرني جداً أن حضر اللقاء أخي الحبيب عالم اللسانيات الذائع الصيت والصديق الأكاديمي العلامة البحاثة المبدع سعادة الأستاذ الدكتور حمزة بن قبلان المزيني الذي كان لتفضله بالحضور أثر كبير في نفسي وازددت سروراً أيضاً بمداخلته الضافية التي اتسمت كعادته بعمقها الفكري وجدتها وبوفائه ونبله وروح دعابته التي أضفت على جو المحاضرة الجاد، كما وصفها سعادته، نسمات ندية من شخصيته الرائعة الودودة الخفيفة الظل المستقطبة الجاذبة المحبوبة. كما أسعدني حضور اللقاء سعادة أي الجليل الأستاذ الدكتور الزميل مشلح بن كميخ المريخي أستاذ الآثار الإسلامية المعروف والزميل الكريم الدكتور أحمد السيد الصاوي أستاذ المسكوكات والفنون الإسلامية والعمارة في المشرق الإسلامي. وحضر كذلك اللقاء كل من أخي الكريم الأستاذ الوفي الأريب محمد بن نهار القحطاني أحد منسوبي جامعة الملك سعود البارزين ومذيع احتفالات الجامعة ومناسباتها الرسمية المبدع الموهوب، والأستاذ صالح بن محمد الشويرخ مؤلف الكتاب القيم الموسوم «حي الوشام « وصاحب البصمة التي تذكر فتشكر إبان عمله سابقاً في مجلس الشورى الذي كان له مشكوراً مداخلة فكرية قيمة. والشكر والتقدير موصول لكل من حضر اللقاء ولم تسعفني الذاكرة بسرد أسمائهم والإشادة بحضورهم ومشاركتهم الفاعلة، فلهم مني وافر الاعتذار وأخلص الامتنان. وفي نهاية اللقاء تفضّل مشكوراً أخي الكريم سعادة أ. أحمد الحمدان -حفظه الله - بإهدائي وأخي سعادة أ. د. سعد الراشد درعي القيصرية التقديري ثم التقطت الصور التذكارية ومنها الصورة التي جمعت بيني وبين سعادة الأخ الكريم الأستاذ مازن فكري طرابيشي المدير التنفيذي لشركة «ليان الثقافية» المحترم وهو يقدم لي -مشكوراً رعاه الله - هدية كريمة جزلة من صاحب السمو الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد أل سعود -حفظه الله - وزير التربية والتعليم سابقاً رئيس مجلس أمناء الشركة تمثلت في لوحة فنية قيمة تحتضن بين طياتها رسماً تذكارياً عزيزاً على نفسي للأستاذ الدكتور عبد الرحمن الطيب الأنصاري -رحمه الله - نفذه الفنان التشكيلي القدير الذائع الصيت الأستاذ ضياء عزيز ضياء بطريقة رقمية. وتضم اللوحة باركود يشمل معلومات عن المجلد الأول الخاص بالجمل عبر العصور الذي أهدته ليان الثقافية للأستاذ الدكتور عبد الرحمن الأنصاري وفاءً وتقديراً لجهوده العلمية القيمة في مجال الدراسات الآثارية في المملكة العربية السعودية والجزيرة العربية والعالم العربي. ولا شك أن لإهداء سموه الكريم -رعاه الله - لي تلك اللوحة الآنفة الذكر الأثر الإيجابي الكبير في نفسي، بل ومحط سروري وتقديري وامتناني وشكري الجزيل واعتزازي بسموه وبالغ نبله ووفائه للعلم والفكر والثقافة من ناحية ولشيخي الجليل فقيد العلم الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الطيب الأنصاري -رحمه الله - من ناحية أخرى.
بادئُ ذي بدء اسمحوا لي أيها الإخوة والأخوات أن أصنف هذه المقال الذي بين أيديكم ذا النهج الاستردادي الاستقراء -استدلالي ضمن باب رحب من أبواب السرد التحليلي المعرفي البرجماتي الموضوعي التبويب لمختلف قضايا المنظور الآثاري لمدرسة شيخي الجليل الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الطيب الأنصاري - رحمه الله. وبناءً على هذا التصنيف إذن فليس الطرح طي صفحات جريدة الجزيرة الغراء لهذا الموضوع اليوم كما قد يتوقع طرحاً مشاعرياً وجدانياً انطباعياً استهلاكياً يشبه الطرح العام الذي يصدح به المتحدثون في مناسبات التكريم أو التأبين على سبيل المثال لا الحصر، وإنما هو طرح بحثي معياري ممنهج ذو مسحة خاصة تمكننا أن نحلق سوياً هذا المساء عبر فضاءات محاور تناصه المعرفية الداخلية الثرة بعطاءات منظور مدرسة الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الطيب الأنصاري - رحمه الله.
وأبدأ أول ما أبدأ بالحديث عن الإطار المرجعي والمعرفي المنهجي الرافد لاستنباط المنظور الذي ينقسم إلى قسمين الأول منهما الإطار المرجعي الرئيس والمساند الرافد لاستنباط المنظور بما في ذلك الفيديوهات ذات العلاقة، والثاني الإطار المعرفي المنهجي لبنية المنظور.
أما الإطار المرجعي الرئيس الرافد لاستنباط المنظور فيشمل الجزء الأكبر منه معظم أعمال الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الطيب الأنصاري العلمية. وهو بلا شك كما يتضح من المراجع التي يتضمنها هذا المقال إطار مرجعي يتميز بكم جزل من الأبحاث والدراسات الآثارية التي قمت بتوفيق من الله استنطاقُ معظمِها لاستنباط المنظور الآثاري لمدرسة الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الطيب الأنصاري -طيب الله ثراه - داعماً هذا الاستنطاق ببعض الأطر المرجعية المساندة من غير الإطار المرجعي ذي العلاقة الرئيسة بأعمال الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الطيب الأنصاري. أما الجانب المعرفي المنهجي الرافد لاستنباط المنظور فينطلق ابتداءً من تخصص الدكتور الأنصاري الدقيق في الكتابات العربية القديمة والنقوش فلا يستغرب إذن أن تتمحور دعائم البؤرة المفاهيمية المعرفية المركزية الرافدة لهذا المنظور في مقالي هذا حول التراث واللغات واللغة العربية وجذور العرب ودراسة النقوش القديمة ومفاهيمها وطرق تصنيفها وربطها تدريساً وتدريباً وتنقيباً وبحثاً بالآثار وبحقبها التاريخية ومواضع اكتشافها والثقافة التي تحويها مواضعها، إضافة إلى تزمين حضارات الجزيرة العربية وأقوامها حسب تسلسلها التاريخي كما سيرد تفصيله لاحقاً. وقد وظفت لغرض استنباط المنظور الآثاري لمدرسة الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الطيب الأنصاري تعريفي الاصطلاحي للمنظور حسب دراسة أجريتها عام 2013م انتهيت فيها إلى أن المنظور أنموذج يستحدثه صاحب دربة مجمع عليه فيُوظفُه نقلاً عنه بعد اجتياز الأنموذج لكفاءات الاختيار والاختبار أهل فن عالٍ في التخصص حلاً لأزمة فكرية أو معضلة إجرائية عجز ويعجز الأنموذج السائد في الساحة العلمية المعنية حينذاك عن حلها وتجاوزها (أبوالخير، 2013).
كما وظفت استنباطاً لهذا المنظور جملة من الروافد المنهجية المتمثلة في عدد من المنظومات الأدائية الإجرائية المؤلفة لطريقة التفكير المنهجية الاستردادية الاستقراء- استدلالية الموحدة التعميمية القياسية التعليلية التصنيفية التبويبية ذات النماذج الابتدائية والنهائية المنطقية البناء المعتمدة استقراءً واستدلالاً ابتداءً على التجارب الإدراكية الحسية آثاراً وأثراً عند الدكتور الأنصاري من ناحية وسبل تحويله -رحمه الله - للحقائق الآثارية غير المنظمة إلى حقائق منظمة تنظيراً وتطبيقاً انتهاءً من ناحية أخرى. كما لعبت البنية المعرفية، والفكرية، والثقافية، والمنهجية للدكتور الأنصاري -رحمه الله- ومرجعيته العلمية الموسوعية الشمولية، وتخصصه الدقيق المتمثل في «الكتابات العربية القديمة والنقوش اللحيانية في منطقة العلا بشمال المملكة العربية السعودية» دوراً فاعلاً في بنية ذلكم المنظور الآثاري لمدرسة الأنصاري وتناميه تنظيراً وتطبيقاً عبر الزمن وخاصة اقتران كل ذلك بإنشائه -طيب الله ثراه - لقسم الآثار بجامعة الملك سعود وتنقيبه الجاد في العلا والفاو وغيرهما من المواضع وتأسيسه لمتحف ضم معثورات تلك التنقيبات. ويعتقد -رحمه الله - أن تخصصه في اللغة العربية في مرحلة البكالوريوس ابتداءً كان أحد الحوافز الرئيسة التي دفعته لنيل درجة الدكتوراه في هذا الموضوع الآثاري الدقيق، أي في الكتابات العربية القديمة والنقوش التي لا يستطيع أحد في رأيه -طيب الله ثراه - أن يدرسها ليفهم ما فيها إلا إذا كان ضليعاً في اللغة العربية وفقه اللغة واللغات. ونتيجة لذلك فقد مكنته قدرته، -طيب الله ثراه - المنهجية الاستقراء - استدلالية والاستنباطية الاستردادية والتبويبية والتصنيفية والقياسية المعيارية والمجانساتية بين الأحداث والتمييز بين تلك المجانسات بالقرائن الجائزة من تأطير حديات مدارك العقل المحض، وكبح جماح تجلياته المؤثرة سلباً في سلامة التحليل الموضوعي لفرص النظر الآثارية قيد البحث، وتعميق جوانب التحقيق المختلفة للأحداث التاريخية قيد الاستقصاء والتدوين الآثاري.