خالد بن حمد المالك
صورة إسرائيل الحقيقية منذ قيامها كانت مُحاطة بالسّرية، وما يُعلن من معلومات عنها كانت إما كاذبة، أو مبالغاً فيها، وكان التعتيم هو سيد الموقف عن أي حدث أو تطور ينبغي أن تتقصى الحقائق عنها.
* *
هذه الصورة التي تُظهر أن لدى إسرائيل جيشاً لا يُقهر، وأنها دولة ديموقراطية، وأنها في حالة دفاع عن النفس ضد أعداء على حدودها، كلها ظهرت على حقيقتها في سبعة شهور بشكل أذهل العالم، وقبل ذلك أثار استغراب الإسرائيليين.
* *
كان الشعب الإسرائيلي مُضَللاً من حكوماته المتعاقبة، ومُنخدعاً بما كانت تروّجه تل أبيب من معلومات ليس هناك من يتثبت منها، خاصة في ظل محاولات تحسين صورة إسرائيل من قبل الولايات المتحدة، وتأكيد واشنطن على صحة الروايات والمعلومات الكاذبة التي تصدر من تل أبيب.
* *
وحين حدث ما حدث في السابع من أكتوبر من العام الماضي، وما أعقب ذلك من هجوم وحشي على قطاع غزة منذ ذلك الحين وإلى اليوم، انكشف الغطاء، وتعرّت وبانت إسرائيل على حقيقتها، ولم يعد لديها ما تخفيه، أو تناور عليه، أو تُجمّل صورتها أمام العالم، فهي الآن على حقيقتها دولة مُجرمة، وقاتلة، ولا إنسانية، بشكل لم يحدث مثله في العالم على الإطلاق.
* *
فهي تمارس حرب إبادة، قتلاً وتجويعاً، محميةً ومدعومةً من أمريكا، ولا زالت تفعل ذلك رغم قرارات الإدانة من محكمة الجنايات الدولية، وترفض الإذعان أو الاستجابة لقرارات المحكمة المُلزمة، كما هو سلوكها غير الإنساني المعتاد، لتؤكد أنها دولة مجرمة بعد أن كانت تتظاهر بأنها دولة محاطة بالأعداء، وأنها تمارس الحرب دفاعاً عن النفس.
* *
وجيشها الذي كانت تدعي بأنه لا يُقهر تمّ قهرُه وإذلاله، وعجز عن تحقيق أهدافه، وخسر الآلاف من جنوده بين جريح وقتيل وأسير ما لم يحدث لهذا الجيش من قبل، فظهر على أنه جيش ضعيف، قليل الخبرة والتدريب، يملك الأسلحة، ولكنه لا يملك شجاعة المواجهة، ما جعله يتورط في مستنقع قطاع غزة.
* *
كما انكشف الغطاء عن ادعاء إسرائيل بأنها دولة ديموقراطية، وأفضل من يمارسها بين دول المنطقة، فإذا بها ديموقراطية هشّة، ترفض أي مظاهر احتجاج على الحرب من ذوي الأسرى، وترفض الحوار معهم، وتُمعن في قتل الأبرياء من الفلسطينيين كنوع من الضغط للإفراج عن الأسرى الإسرائيليين، ضمن أساليب حكومة إسرائيل في حرب الإبادة التي تمارسها في القطاع، دون أن تتمكن من تحرير أسير واحد.
* *
وإسرائيل دون شريكها الولايات المتحدة، دولة من ورق، ولو تخلّت واشنطن عن دعمها سياسياً ومالياً وعسكرياً لما أمكنها الصمود في حربها في غزة كل هذه الشهور، وهذا ما انكشف خلال حرب الإبادة في غزة، وأظهر ما كان مُغيّباً على الإسرائيليين.
* *
وما يحدث في إسرائيل من خلافات وصراعات بين القادة الإسرائيليين سواء داخل الحكومة، أو بين الحكومة والمعارضة، وهو خلاف معلن، كان يحاط من قبل بشيء من السرية، ويُغلّف الآن على أنه نوع من حرية الرأي، وممارسة الديموقراطية، وهو بالتأكيد غير ذلك على الإطلاق، لكن لا مخرج من هذه التطورات إلا بإيجاد مخارج لها ضمن الاستمرار في خداع العالم وقبل ذلك خداع الإسرائيليين، غير أن الأحداث المتسارعة في غزة لا تسمح بهذا النوع من التخريج للصراع في إسرائيل الذي انكشف على حقيقته.