خالد بن عبدالرحمن الذييب
هناك بعض المقولات والأمثال التي يرددها الناس وهي مع عمقها إلا أنها بالتأكيد ليست قرآناً منزلاً، فهي تحتاج بعض المراجعة والمناقشة وفهم الحالات التي يمكن أن تُستخدم فيها ومن هذه المقولات «إبدأ من حيث انتهى الآخرون»، وهي عبارة ساحرة قالها أديسون يوماً ما وتداولتها الركبان، وأصبحت كأنها حقيقة من حقائق التاريخ، وأنها تنطبق على كل حالة من الحالات الإنسانية والمجتمعية. فغالبية المخترعين والعظماء والمفكرين لم تكن بدايتهم من حيث بدأ الآخرون بل بدأوا كما بدأ الآخرون، درسوا وعرفوا كيف وصل الآخرون إلى ما وصلوا إليه ثم نقضوا حججهم واخترعوا واكتشفوا أموراً أخرى!
استمرت أوروبا متخلفة مئات السنين لأنهم طبقوا هذا المفهوم قبل أديسون، وبدأوا من حيث انتهى بطليموس، الذي بدأ من حيث انتهى أرسطو، إلى أن وصل إلى هذه النتيجة «الأرض مركز الكون» إلا أن كوبرنيكوس لم يبدأ من حيث انتهى بطليموس، بل بدأ كما بدأ بطليموس، قرأ وفكر إلى أن وصل إلى هذه النتيجة «الأرض ليست مركز الكون»، بل «الشمس مركز الكون». وأتى العلم الحديث ولم يبدأ من هذه المُسلّمة الجديدة «الشمس مركز الكون» بل بدأ مثلما بدأ بطليموس وكوبرنيكوس وقرأوا وفكروا إلى أن وصلوا إلى أنه لا يوجد مركز واضح للكون، بل إنه مجموعة مجرات تسبح في الفضاء.
وكما أن ذلك ينطبق على العلماء، فإنه ينطبق على المدن، فالمدن المتقدمة والتي ترغب في التقدم عليها ألا تبدأ من حيث انتهى الآخرون، ولكن عليها أن تعرف كيف وصل الآخرون إلى ما وصلوا إليه ثم تسير في نفس الطريق لتتجاوزهم. المدينة الأوروبية القديمة كانت مشاة، وكانت المباني بارتفاعات 3-5 أدوار، ومع الثورة الصناعية التي بدأت بعد عصر النهضة تمددت المدن، وتشكلت المدن الضواحي، ومعها المناطق الصناعية وظهرت الحاجة لوسيلة نقل تنقل أكبر عدد ممكن من عمال المصانع، فظهر القطار، واكتظت مراكز المدن فظهرت الناطحات.
بعض المدن اضطرتها الظروف بأن تبدأ من حيث انتهى الآخرون فبدأت بالناطحات، وبعد ذلك اكتشفت أنها بحاجة إلى قطار، وبعد أن وضعت القطار، أصبحت تفكر أين هي الكثافات العالية.
أخيراً... ثورة اليابان العلمية لم تبدأ من حيث انتهى الآخرون، ولكن عندما أرسلت البعثات لتعلم كيف يمكن صناعة المكينة.
ما بعد أخيراً...
ليس كل مقولة حقيقة، فبعض الحقائق.. كشفت حقيقة المقولات!