د. عبدالعزيز بن صالح العجلان

في عام 2019، جذبت قضية خطأ طبي اهتماماً واسعاً في الولايات المتحدة، حيث صدر حكم تاريخي في ولاية ماريلاند بمنح تعويض قدره 205 ملايين دولار لعائلة طفلة تعرضت لإصابات دماغية أثناء الولادة نتيجة نقص الأكسجين وذلك في مركز جونز هوبكنز الطبي. أوضحت المحكمة أن الطاقم الطبي أخفق في متابعة حالة الطفلة بشكل صحيح، مما أدى إلى التأخير في التدخل الطبي في الوقت المناسب. بالإضافة إلى ذلك، تبيّن أن التواصل بين الأطباء وأفراد الطاقم كان غير فعّالٍ، مما أسهم في تدهور الحالة الصحية للطفلة. كانت هذه الأخطاء مجتمعة دافعاً لمنح التعويض الكبير، الذي يغطي التكاليف الطبية المستقبلية، بالإضافة إلى الألم والمعاناة للأسرة وللطفلة، وفقدان القدرة على الكسب مستقبلاً.

تُعدّ الأخطاء الطبية تحدياً كبيراً لأنظمة الرعاية الصحية على مستوى العالم. وفقاً لدراسة أجرتها منظمة الصحة العالمية، يتعرض ملايين الأشخاص سنوياً للأخطاء الطبية، مما يؤدي إلى أضرار جسيمة وأحياناً وفيات. تشير الإحصائيات إلى أن حوالي 42.7 مليون خطأ طبي يقع سنوياً على مستوى العالم، مما يؤدي إلى خسائر كبيرة في الأرواح والتكاليف الاقتصادية.

في المملكة العربية السعودية، تأخذ حماية حقوق المرضى وتعويضهم عن الأضرار الناتجة عن الأخطاء الطبية اهتماماً بالغاً. الأنظمة في المملكة لا تكتفي بتحديد معايير الجودة والسلامة فقط، بل تضع أيضاً قوانين صارمة تضمن حقوق المرضى وتحميهم. من أبرز هذه القوانين نظام مزاولة المهن الصحية، الذي ينظم سلوكيات الأطباء والممارسين الصحيين ويضع معايير صارمة للسلوك المهني والأخلاقي. بالإضافة إلى ذلك، ينص نظام المؤسسات الصحية الخاصة على معايير الجودة والسلامة التي يجب أن تلتزم بها جميع المؤسسات الصحية الخاصة، لضمان تقديم أفضل رعاية صحية ممكنة.

لائحة حقوق المرضى والمسؤوليات توفر حماية إضافية، حيث تضمن حصول المرضى على الرعاية الصحية العالية الجودة، وتتيح لهم تقديم الشكاوى والمطالبة بالتعويض عند وقوع أخطاء طبية. بالإضافة إلى ذلك، تشمل اللائحة التنفيذية لنظام مزاولة المهن الصحية تفاصيل الإجراءات التأديبية والمساءلة القانونية التي تضمن محاسبة العاملين في القطاع الصحي عند ارتكابهم لأخطاء .

عند وقوع خطأ طبي لا سمح الله، من الضروري التوثيق الدقيق للحالة، بما في ذلك الاحتفاظ بنسخ من جميع الوثائق الطبية، الوصفات، وتقارير الفحوصات. يجب الحصول على تقرير طبي مفصل من المستشفى يشمل تفاصيل العلاج، الإجراءات التي تمت، وأي مضاعفات حدثت. ينبغي استشارة طبيب أو متخصص آخر غير تابع للمؤسسة الطبية المعنية لتقييم الحالة وتأكيد وجود خطأ طبي. من الممكن التعاون مع محامٍ متخصص في الأخطاء الطبية للحصول على النصائح القانونية والرفع للقضاء والتعامل مع المستندات والأدلة بشكل فعال.

قد يواجه البعض صعوبة في الحصول على الأدلة اللازمة نظراً لعدم تعاون بعض المؤسسات الطبية أو محاولتها إخفاء بعض الأدلة. لذلك، من الضروري توثيق كل التفاصيل بدقة ومتابعة الإجراءات القانونية بشكل صحيح.

في الختام، تسلط قضية جونز هوبكنز الضوء على الحاجة الملحة لتطوير أنظمة الرعاية الصحية وتحسين إجراءات السلامة لتقليل الأخطاء الطبية وحماية حياة المرضى. على الرغم من الجهود الكبيرة المبذولة، تجدر الإشارة إلى أن قيمة التعويضات عن الأخطاء الطبية في المملكة لا تزال أقل مقارنة ببعض الدول المتقدمة. هذا الأمر قد يشكل تحدياً إضافياً للمرضى المتضررين الذين يحتاجون إلى تغطية لتكاليف العلاج والأضرار الناتجة عن الأخطاء الطبية. يعد هذا الحكم التاريخي درساً مهماً لجميع أنظمة الرعاية الصحية حول العالم، بما في ذلك المملكة، التي تستحق الثناء على جهودها المستمرة في تحسين جودة الرعاية الصحية وتعزيز سلامة المرضى من خلال التشريعات الصارمة والالتزام بمعايير عالمية عالية. إن تعزيز الرعاية الصحية هو أحد مستهدفات رؤية 2030، التي تهدف إلى تطوير نظام صحي فعال ومستدام يوفر أعلى مستويات الجودة للمواطنين والمقيمين. بتطبيق هذه المبادئ، نضمن مستقبلاً أكثر أماناً ورعاية صحية أفضل للجميع.