مها محمد الشريف
كان «ليو تولستوي» روائياً ومصلحاً اجتماعياً وداعية سلام ومفكراً أخلاقياً، من أشهر أعماله روايتي «الحرب والسّلم» و»أنا كارنينا» وهما تتربعان على قمة الأدب الواقعي، فهما تعطيان صورة واقعية للحياة الروسية في تلك الحقبة، صدرت رواية الحرب والسلم على صفحات مجلة أدبية روسية ما بين سنة 1865 و1869، يروي فيها تولستوي تاريخ روسيا إبان عصر نابليون ومحاولته اجتياح روسيا ثم عودته مهزوماً.
فالكاتب الروسي أضمر احتراماً خاصاً للأدب العربي، والثقافة العربية والأدب الشعبي العربي، وتناول كتابه الحرب والسلم مراحل الحياة المختلفة، ووصف الحوادث السياسية والعسكرية التي حدثت في أوروبا بعد غزو نابليون 1812م، والمعارك التي دارت رحاها في تلك الفترة بعمق وبدقة متناهية.
وما يحدث اليوم لا يتعلق بكوننا واقعيين أو مثاليين، فالمفردات في الرواية يعلوها الغبار الأخلاقي، بعدما أفسدت الحرب قدرة العالم على السلم، وأتت التناقضات العديدة تباعاً لتؤكد عزمها على حل جميع المشاكل، وإنهاء العنف بالعنف بالتدخل العسكري، التدخل الذي يلجأ إليه الإنسان، حتى يبقى الصراع الوسيلة الوحيدة من أجل تآخي البشر وتلاحمهم.
وفي الحقيقة أنه لا توجد أي حرب يمكن تبريرها بأية غاية، فمنذ أن عبرت الدبابات الروسية حدودها في فبراير/ شباط 2022، اعتمد دفاع أوكرانيا على سخاء الحلفاء، وقد تلقت منذ بداية الحرب، حوالي 146 مليار إسترليني (نحو 186 مليار دولار) من المساعدات، 75 مليار إسترليني (نحو 95 مليار دولار) منها مساعدات عسكرية، وفقاً لمعهد كييل للاقتصاد العالمي، والباقي تبرعات مالية وإنسانية لإعادة بناء المدن وتوطين اللاجئين.
ما يهم هنا هو أن القواعد تفرض من الخارج وهذه الحروب دائماً يستغلها من ينتظر الفرصة ليستفيد منها والغرب يريد إضعاف روسيا وهذه الحرب منحتهم الفرصة، بل هم من كونها تبعاً لحالة الصراع، وأمضى مسؤولون من الدول الغربية العامين الماضيين في العمل مع المخططين العسكريين الأوكرانيين لتجميع وتوريد وتسليم الأسلحة التي تحتاجها كييف، وقد أنشأت المملكة المتحدة هذا المركز الدولي الأيام الأولى من الحرب، وكان يديره 80 مسؤولاً بريطانياً، وسرعان ما أصبح دولياً، يعمل به الآن مئتا شخص من 21 دولة.
حين تصل الجماعة السياسية إلى الشعور بحدودها تتوقف عن إيمانها بإمكانية وجود وسائل أخرى تعزز قوتها، لذا تبحث عن الزيادات التي تتلقاها لتضاعف قدرتها، وفي ظل هذا الدعم دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، نظيريه الأميركي جو بايدن والصيني شي جين بينغ إلى حضور القمة من أجل السلام في بلاده، والتي تستضيفها سويسرا في يونيو المقبل.
والحكومة السويسرية بدورها وجّهت دعوات للمشاركة إلى 160 وفداً لا تشمل روسيا، لحضور «قمة السلام» في سويسرا، والرئيس الأوكراني يؤكد أن «أكثر من 80 دولة أكدت مشاركتها» في المؤتمر وقال: «أناشد قادة العالم الذين ما زالوا في منأى عن الجهود الدولية للقمة الدولية من أجل السلام»، نتساءل هنا من يبحث عن السلام ومن يدفع بالحرب إلى أقصاها؟ ومن يريد انهيار التوازن في معسكر الطرفين؟ لا شك أن لعبة الصراع مستمرة فهل يتفق العالم على أن من يملك القوة يملك الحق ويكافأ على قوته بالسعر الأعلى؟