د.محمد بن عبدالرحمن البشر
يبدو أن منافساً جديداً قوياً لكتاب الرأي قد حل فعلاً، وأخذ فعلاً في مزاحمتهم، وما هي إلا سنوات محدودة، ونجده قد أزاحهم عما تربعوا على أريكته سنين عديدة، وإذا فرضنا حسن النية، فقد نقول إنه مساعد لهم لطرح أفكارهم، فما على الكاتب إلا أن يحدد الفكرة وعدد الكلمات، فيقوم ذلك المجهول السحري بكتابة ما هو مطلوب، لكن على الكاتب أن يحذر الوقوع في المحذور، لئلا يميز بين ما هو مقبول وغير مقبول، لهذا فلابد من التدقيق والمراجعة.
تطور الذكاء الاصطناعي مهول ،ومتسارع، وسوف نرى منه العجب، وما نكتبه عنه اليوم، وما سوف نقرأه بعد سنين إن امتد بنا العمر إن شاء الله، سنرى أنفسنا قد كتبنا عن أمر بدائي وتعجبنا منه، مثل ما حدث من اختراعات أخرى في مجالات متعددة مثل الكهرباء، والاتصالات، والسيارات، والطائرات، والكمبيوتر، والجوال وغيرها. ويبدو أنه لن يلتفت إلى أحد وعلينا التعامل معه، ومن المؤكد أنه لم يقتصر على الكتابة والكتاب، فهو يقوم بما هو أبعد من ذلك، ولاسيما في المجال العسكري، وهو أمر خطير يتطلب معه وضع قوانين وتشريعات تحول دون استخدامه في الأمور غير الشرعية، ولاسيما من قبل المنظمات الإرهابية، والمجموعات الخارجة عن القانون.
هناك تساؤل حول ما إذا كان قادراً على صياغة مقال لأحد الكتاب الذين كتبوا آلاف المقالات عبر السنين مثل أصحاب العمود اليومي، اعتماداً على أسلوبهم فيما سلف من كتاباتهم، وصياغتها بما فيها من ملازمة لفظية، واستشهادات، وعبارات، تظهر في كتاباتهم بصورة مستمرة، وتكون ملازمة لها، مثل كلمة نسبياً التي أذكر أنها قد لازمتني في سنين مضت حتى في حديثي، ثم اندثرت مع ما اندثر من أساليب وأفكار، وطموحات، وآراء، كانت مصاحبة لي سنين عديدة.
من عادة الكاتب استمتاعه بشحذ أفكاره عند الكتابة، ثم تدفقها كالسيل ليسطر من ملكة أفكاره ما حوته ذاكرته عبر السنين، وما تراكم من معلومات وتجارب ربما لم تكن متاحة لغيره، وهي التي يمثلها قلمه، آخذاً بعين الاعتبار ما قد لا يكون مناسباً، ليكون مرآة لا تعكس بما في داخله بشكل كامل، بل بما يمكنه رسمه بكلماته، ولا أعتقد أن كاتباً محترفاً سيفقد لذة الكتابة ومتعتها، لصالح مبتكر صناعي لا يحمل عاطفة أو يحس بمتعة، كما أنه قد لا يكون معبراً عن مكنون نفس الكاتب، وإنما خليط من مشاعر وشعارات كتاب آخرين قد يكون بعض منهم دون كاتب المقال أو أعلى منه.
الذكاء الاصطناعي لديه كميات هائلة من المعلومات التي يحسن خلطها لتخرج بالنتيجة المرجوة، وهي ما لا يستطيعه الإنسان العادي مهما كان مميزاً في فنه، ونلاحظ الاستفادة منه في التنبؤات المناخية، والمسائل الرياضية وغيرها، لكنه لا يمكنه أن يتعامل مع التعابير التي تعكس عواطف الإنسان وخصوصية اختياراته، ومزاجه عند الكتابة إن كان غاضباً من حدث معين، أو فرحاً بآخر، وما علينا إلا الانتظار لمعرفة المزيد.