د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
قرأت في ملحوظات ومآخذ كتبها أستاذنا القدير أ.د. فوزي حسن الشايب، كتبها عن كتاب (تصحيح الفصيح لابن درستويه)، ونشرت في مجلة الدراسات اللغوية، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض، 1443هـ-2022م. مج34، ع4. ص332-333.
توقف أستاذنا في قول ابن درستويه «في هذه الثلاثة الأحرف» (تصحيح الفصيح، ص 217)، قال «أما خطأ المؤلف [ابن درستويه]، فيتمثل في إلحاق «ال» بالمضاف إلى معرفة إضافة حقيقية، وهذا لا يجوز؛ لأن المضاف سيصبح عندها معرفًا من جهتين: بـ(ال) التعريف، وبالإضافة إلى المعرّف بها، فيجتمع على الاسم تعريفان، وهذا لا يجوز؛ لأنه لا يجوز أن يجتمع على الاسم تعريفان من وجهين»، وذكر استثناء النحويين لما إضافته لفظية مثل (المنفذو المشروع)، ولإضافة الصفة المشبّهة إلى مرفوعها، نحو: أقبل الرجلُ الحسنُ الوجهِ، وقال «ولذا فالصواب أن يقول: في ثلاثة الأحرف هذه».
والحق أن ابن درستويه لم يخطئ؛ لأن اسم الإشارة يقتضي أن يتبع بما هو محلّى بـ(ال)، قال الزمخشري «واسم الإشارة لا يوصف إلا بما فيه الألف واللام كقولك يا هذا الرجل ويا هؤلاء الرجال»(1). ويفضل السهيلي عدّه بيانًا، قال «وكذلك المبهم عندي أيضًا لا ينعت إنما يبين بالجنس الذي يشير إليه.كقولك: هذا الرجلُ، فالرجل تبيين لـ(هذا) أي: عطف بيان، وتبيينه بالجنس الذي يشير إليه آكد من تحليته بالنعت. فإذا عرفت المخاطب ما الذي تشير إليه فحِينذ فانعته إن شئت أو لا تنعته، ولا معنى لوصف (هذا) و(ذلك) بصفة مضافة. وهو إشارة كالإشارة باليد والرأس، حتى يذكر المشار إليه»(2). وتابعه ابن يعيش، قال «واعلم أنّ حقيقةَ هذا النعت، وما كان مثلَه في نحو: (هذا الرجلُ) إنّما هو عطفُ بيان، وقولُ النحويين إِنه نعتٌ تقريبٌ، وذلك لأن النعت تَحْلِيَةُ الموصوف بمعنى فيه، أو في شيء من سَبَبه، وهذه أجناسٌ، فهي شرحٌ، وبيانٌ للأوّل كالبَدَل، والتأكيدِ، فلذلك كان عطفَ بيان، ولم يكن نعتًا»(3).
والذي أشكل على أستاذنا إضافة العدد إلى المعرفة، وإضافة العدد ليست كإضافة أسماء الذوات بل هي أشبه بإضافة الصفات، فكأن إضافتها إضافة لفظية، إذ لم يُعرّفها المضاف إليه بل ميّز جنسها. ولذا أجاز الكوفيون إدخال (ال) على العدد المضاف، قال ابن سيده «وَأَجَازَ الْكُوفِيُّونَ إِدْخَال الْألف وَاللَّام على الأول وَالثَّانِي، وشبهوا ذَلِك بالْحسنِ الْوَجْه، فَقَالُوا: الثَّلَاثَة الأثواب، والخمسة الدَّرَاهِم، كَمَا تَقول: هَذَا الْحسنُ الْوَجْهِ، وقاسوا هَذَا بِمَا طَال أَيْضًا فَقَالُوا: الثَّلَاثُ الْمِائَةِ الْألفِ الدِّرْهَمِ»(4). ولذا ساغ أن يكون العدد المضاف المحلى بـ(ال) صفة لاسم الإشارة أو عطف بيان.
ونجد ما استعمله ابن درستويه استعمله غيره من النحويين واللغويين، نذكر أمثلة من غير استقصاء، مثل ابن السراج، قال «فأما سحر إذا أردت به سحر يومك وغدوة وبكرة، هذه الثلاثة الأحرف، فإنها لا تتصرف»(5). والزجاجي قال «وكذلك كل معطوف بعد جواب الجزاء من الأفعال المستقبلة يجوز فيه هذه الثلاثة الأوجه»(6). والقالي قال «وتمد هذه الثلاثة الأحرف أيضًا»(7)، والسيرافي قال «وقد كان تعدّي الفعل في هذه الخمسة الأفعال بحرف جرّ»(8). والأنباري قال «وإذا جاز أن تكون هذه الخمسة الأمثلة معربة»(9). وابن مالك قال «لا سيما كلمة تلازمها التاء كملازمتها هذه الثلاثة الأسماء»(10).
ولا يعاند هذا الاستعمال ما جاء عند المبرد قال «فعلى هَذَا تَقول: هَذِه ثَلَاثَة أَثوَاب، كَمَا تَقول: هَذَا صَاحب ثوبٍ، فَإِن أردْت التَّعْرِيف قلت: هَذِه ثَلَاثَة الأثواب، كَمَا تَقول: هَذَا صَاحب الأثواب؛ لِأَن الْمُضَاف إِنَّمَا يعرفهُ مَا يُضَاف إِلَيْهِ، فيستحيل (هَذِه الثَّلَاثَة الأثواب) كَمَا يَسْتَحِيل (هَذَا الصاحب الأثواب)، وَهَذَا محَال فِي كل وَجه»(11)؛ لأن المبرد يخبر بـ(ثلاثة أثواب) عن (هذه)، ولم يرد أنه مشار إليه، إذ المشار إليه غير ملفوظ، والتقدير: هذه الأثواب ثلاثة أثواب. ولذلك حين عرّف عرّف المضاف إليه المعدود.
** ** **
(1) المفصل في صنعة الإعراب للزمخشري، ص: 64.
(2) نتائج الفكر في النحو، ص: 168.
(3) شرح المفصل لابن يعيش، 1/ 323.
(4) العدد في اللغة، لابن سيده، ص: 64.
(5) الأصول في النحو لابن السراج، 1/ 190.
(6) أخبار أبي القاسم الزجاجي للزجاجي، ص: 5، بترقيم الشاملة آليا.
(7) المقصور والممدود لأبي علي القالي، ص: 411.
(8) شرح كتاب سيبويه للسيرافي، 1/ 282. وانظر: 1/ 451، 5/ 193، 5/ 395.
(9) الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين ال بصريين والكوفيين للأنباري، 1/ 30. وانظر: 2/ 644.
(10) شرح التسهيل لابن مالك، 1/ 125.
(11) المقتضب للمبرد، 2/ 175.