أ.د.صالح معيض الغامدي
على الرغم من أهمية الشهادات الأدبية أو الإبداعية التي تتضح من حضورها القوي في كثير من المناسبات الأدبية والثقافية والفكرية والفنية، فليس ثمة اتفاق حول ماهية هذا الجنس الكتابي بين النقاد والدارسين.
ونظرا لعدم وجود مفهوم واحد محدد للشهادات الإبداعية يمكن أن ننطلق منه في دراسة هذا النوع الكتابي الإبداعي، فهناك منطلقات عديدة يمكن للباحث أن ينطلق منها، إذا ما طرح على نفسه الأسئلة التالية: هل الشهادات الإبداعية ضرب من ضروب السيرة الذاتية الإبداعية؟، أو الاعترافات؟ هل هي قراءة ذاتية معمقة للتجربة الإبداعية للكاتب تتضمن مراجعة من نوع ما يقوم بها الكاتب؟ هل هي مجرد سرد تاريخي لمؤلفات الكاتب الإبداعية وظروف نشرها؟ هل هي بيان تفسيري لمضامين أعمال الكاتب ودلالاتها؟ هل هي تأطير نظري وفكري وفني للتجربة الإبداعية لكاتبها؟ هل هي نص ملغز مشتت لذهن القارئ؟!
لا شك أن الإجابة عن كل سؤال تملي بالضرورة مقاربة معينة لدراسة هذه الشهادات الإبداعية. وفي الحقيقة فإن التصنيفات التي صُنفت بها هذه الشهادات الإبداعية (أو التي يمكن تصفيها بها) هي كثيرة ومتنوعة، ولعل القرّاء هم من يحكم على مشروعيتها ونجاعتها في النهاية. لكن هذه الشهادات هي بالتأكيد نصوص مهمة موازية للإبداع، ولها أبعاد سيرذاتية واضحة، قد يكون من شأنها أن تثري الأعمال الإبداعية للكاتب أو تفقرها، تبعا للوظيفة التي يعلقها الكاتب أو القارئ عليها. وقد يتفق الكتّاب والقراء في تحديد بعض الوظائف التي يرونها متحققة في هذه الشهادات وقد يختلفون كذلك في بعضها الآخر. وبقدر ما تكون هذه الوظائف مفيدة أحيانا لقراء إبداع الكاتب، تكون مضلله لهم في أحيان أخرى.
ويمكننا تحديد أبرز الوظائف التي يسعى الكتّاب إلى تحقيقها، اعتمادا على بعض الشهادات التي اطلعنا عليها، فيما يلي:
1- وسيلة لشرح الإبداع: وفيها يحاول الكاتب أن يبين أو يبرز بعض ملامح نصوصه الإبداعية التي لا يبدو أنها نالت كثيرا من اهتمام القراء والنقاد، لسبب إو للآخر. ويندرج في هذا المسعى حرص المبدع على أن يبين الخلفية السياقية أو المناسبة التي كتب فيها النص. وتبرز هذه الوظيفة في الشهادات التي تطلبها من المبدع بعض الجهات التي تستضيفه أو تستكتبه، إذ كثيرا ما يطلب من المبدع في هذه المناسبات الحديث عن إبداعه أو تجربته الإبداعية بشكل عام.
2- وسيلة لترويج الإبداع: وهذه وظيفة يسعى المبدع من خلالها إلى التعريف بإبداعاته وبخاصة الجديدة منها، وتلك التي لم تنتشر كما ينبغي بين الناس. على الرغم من أن تعريف المبدع بإبداعاته قد يكون مفيدا للمتلقي في بعض الأحيان إلا أنه قد يكون مضللا له أيضا. وعلى القراء أن يتنبهوا لهذا الأمر، ويكونوا حذرين من بعض تصريحات المبدعين الترويجية في بعض الأحيان.
3- وسيلة لتبرير الإبداع: هذه الوظيفة تحضر عندما يريد المبدع أن يبرر كتابته في جنس أدبي معين دون غيره، أو في تناول موضوعات معينة دون غيرها في أعماله الإبداعية ، أو في اتباع أسلوب أدبي معين، وفي بعض الأحيان يبرر كتابته لجنس أدبي غير شائع مثل السيرة الذاتية والمذكرات وغيرهما من أنواع الأدب الذاتي. وقد يكون التبرير بعديا أي بعد نشر العمل أو قبليا، وفي هذه الحالة الثانية، يكون تبريرا استباقيا.
4- وسيلة لتوجيه تلقي الإبداع: هذه الوظيفة قد تتحقق عندما يرغب المبدع في تلقي القراء أعماله بطريقة معينة، إما تفاديا لإساءة فهم أعماله من قبل المتلقين أو بعضهم، وإما لدفعهم إلى تلقيها بطريقة لا يريد أو لا يجرؤ على الإفصاح عنها، ويكون هذا في الأعمال الإبداعية التي توظف قدرا كبيرا من الرمزية .
5- وسيلة لقراءة ذاتية للإبداع: قد تكون كتابة المبدعين للشهادات الإبداعية في بعض الأحيان وسيلة لقراءة المبدع أعماله الإبداعية بوصفه قارئا لها وليس مؤلفا. ولا شك أن قراءة المبدع لإبداعاته بعد فترة من تأليفها يمكنه من الوقوف على بعض الأبعاد الفنية والمضمونة التي لم يكن منتبها لها أو واعيا بها عند الكتابة بدرجة كافية، فالبعد الزمني الفاصل بين الكتابة والقراءة يجعلها تبدو جديدة أوغير مألوفة إلى حد ما، وبخاصة عندما يكون المبدع قد اطلع على قراءات ودراسات نقدية لأعماله قام بها نقاد آخرون، ولذلك تأتي كتابة الشهادة الإبداعية في هذه الحالة قراءة لأعمال الكاتب الإبداعية مضفرة أو ممتزجة بما اطلع عليه المبدع من تلقيات نقدية مختلفة لها.
6- وسيلة للتواصل المباشر مع القراء وبخاصة عندما تكون الشهادة ملقاة أو مقروءة أمام الجمهور. وكثيرا ما يكتسب هذا النوع من الشهادات بعدا حواريا تفاعليا بين المبدع والجمهور.
هذه هي أبرز الوظائف التي تؤديها الشهادات الإبداعية كما بدت لنا، وبالطبع قد يكون هناك وظائف أخرى لم نشر إليها هنا. وفي كل الأحوال السابقة نجد أن البعد السيرذاتي حاضر بدرجات متفاوفة في كل هذه الشهادات الإبداعية بغض النظر عن طبيعتها ووظائفها.