علي حسين (السعلي)
سرقتْ جزيرة الإبداع عبر شواطئ الثقافية في عددها الجمعة الماضية لوحة فاتنة رسم أبعاد جمالها عبد الله القرني هذا الذي خطف قلبي بهاتين الجميلتين بهاء ونقاء وصفاء والسؤال الذي يفرض نفسه الآن : لماذا لفتت انتباهي هذه اللوحة البديعة ؟ هل لأن فيها عبق التراث أنين الحنين للطفولة ، استجرار الذكريات ؟
الحقيقة لا أعلم !
وبعد تفكير عميق في اللوحة في ثقافية الجزيرة استجرّرتُ حكاية السعلي من لوحة للفنان عبد الله القرني والتي توشّح بها غلاف ثقافية الجزيرة في عددها الفائت ،والحقيقة هذه اللوحة لامست شغاف قلب -محدثكم - وجلست طول الفجر ونهاره متأملا هذه اللوحة التي أعادت إلى ذهني الأماني التي دسستها في ذاتي منذ زمن ، والأحلام الضائعة التي كلما حاولت اقتناصها كالصقر، تفلت من مخالب حرفي ، وفوق جبل سطري، تنهار من أمامي كالثلج وأنا لا حول لي ولا قوة إلا بالله !
هذه الأماني المستذكرة ، والأحلام الضائعة تعيدني للوراء سنينا من أيامي الخوالي مع والدتي يرحمها الله التي ارتبطتُ بها كثيرا، وحزنت لفقدها… فقد كانت وما زالت في قلبي، وفكر عقلي، فأمي معلمي الأول مع والدي يرحمهما الله … هذان الثنائي شكلا في حياتي خريطة كتاباتي منذ البدء والنشأة حتى ما لا نهاية إلى أن يتوقف حرفي عن الكتابة وتغرق سفينة حرفي وباخرة سطري …
نعود الآن للوحة الفنان القرني ، أم مبتسمة وبحانبها بنتها ومن حرص الرسّام على تشابهها شكلا ومضمونا ربما ! بدرجة كبيرة من حيث اللباس والحلي وبعض النقوش التي تعود لمنطقتهما، حتى البناء، ما ادهشني كثيرا قربها من القلب أوّل ما تسقط شهبا في عيني وفي من يبصرها وحين تمعّنت كثيرا فيها وجدت أنها تشبهني من حيث قربي من والدتي يرحمها الله كثيرا ولعلي أسرد لحضراتكم هذا الحوار الذي دار بيني وبين أمي الغالية سيختصر عليّ كثيرا مما كنت أودّ الكتابة عنه من خلال هذه اللوحة الجميلة بإبداع من رسمها فنا واقعيا:
حوار بين أم وابنها
وبينهما بلبل النغري
أمي ما قصة السعلي؟
ياولدي في الليل نحكي !
والثنايا في مرايا الوجه تبكي
ذكرى أسطورة السعلي
أرخى السواد سدوله
واستجر السؤال الحكاية !
نم قرير العين يا ولدي
أمي لا تخوفيني بحمّال الضمود !
انزعي ثوب حلمي بخيط الرواية
كان يا ما كان .. في سالف العصر والزمان
امرأة تراقص آهازيج المساء
تحثو خطاها لتزغرد في صدة حمده
وبياض الحوكة ناصع يبلغ حده
وعندما تسربلت قدماها قرب حبلة عياش
صرخت الآه وكأن طيف كل من مات عاش
سافرت فوق السحاب تهدهد الغيم
تهطل أحلاما وردية وحمده واعليه !
والجماعة بمطارق الزير يقصّدون
دلفت في لمحة البصر بعد العصر
عند باب فاطمة القديم تحت الرعش
ورأسها متعب من سوالف الوحش
فإذا بعجوز ونظارتين هناك عند البداية
تمشط شعرها ياولدي أسنانه من خشب!
كل شيء في الساحة موحش
أبواب تفتح وتغلق وأصوات تسمع وتقلق
سلم طويل من حجر والكثير من الخشب
وفوق رجال هناااك ملثمون
كأنهم يحفرون الخنادق
ينظرون محملقين
وعليها يصوبون البنادق
فصرخت الآه آنا في وجه الله !!
قيدت رجلاها ويداها موثوقة بالزافر
والخوف يخط الحافر على الحافر
يا هبان الريح اغيثوني اغيثوني !!
والمدهش يا ولدي أنياب السعلي مغروزة
اثنين اثنين والزير يجمعهم
والنيران تكمل حكاية الرعب
رجالا وصبايا شبكا في اللعب
ورائحة مرقتها يوه تغلي
ضحكت .... نمت يا ولدي
هذه هي حكاية السعلي
سطر وفاصلة
اشتقتُ لك أمي كثيرا
سبحان الله مهما كبر المرء يبقى حنينه لأمه عالقا بالدمع الذي ينثره في حياته حتى في ابتساماته تصير توأمته فرحا وحزنا
فاللهم أرحم أمهاتنا رحمة واسعة واحفظ من بقي منهن فوق الرؤوس تاجا وعلى الصدور وساما وعلى الأكتاف أوسمة ونياشين