خالد محمد الدوس
وُلد العالم الاجتماعي آلان تورين في عام 1925م في فرنسا وبعد أن أنهى تعليمه العام في مدرسة لويس الكبير الثانوية التحق بجامعة باريس وواصل تعليمه حتى نال شهادة الدكتوراه في علم الاجتماع عام 1955 تحت إشراف العالم الاجتماعي الفرنسي جورج فريدمان, والتحق بالعمل بالمركز الوطني للدراسات الاجتماعية وعمل باحثاً فيه وقام بتأسيس مجلة تهني بالعلوم الاجتماعية مع مجموعة من علماء الاجتماع الفرنسيين وقد أنجز العديد من الدراسات والأبحاث حول الحركات الاجتماعية والوعي العمالي، كما ترأس الجمعية الفرنسية لعلم الاجتماع (1968-1970) وقد ألّف العديد من المؤلفات تجاوزت أكثر من ثلاثين مؤلفاً وأبرزها: كتاب ماهي الديموقراطية وكتاب إنتاج المجتمع, وكتاب من أجل علم الاجتماع, وكتاب أن نفكر باختلاف، وكتاب نقد الحداثة، وكتاب نهاية المجتمعات, وكتاب عودة الذات وغيرها من المؤلفات التي قدمها العالم الراحل ويعتبر المفكر تورين من أهم علماء الاجتماع المعاصرين, بعد أن تحرر من قيود المدرسة الوضعية التي أرسى قواعدها العالم أوجست كونت وأميل دوركهايم التي كانت تدرس الظواهر الاجتماعية متمثلة في القاعدة الأولى في منهج دوركهايم باعتبارها أشياء خارجية لها وجودها المستقل عن الأفراد بل لها قوة إلزاميه وإكراهية وقهرية عليهم, ولم يكتفِ تورين بتحرره من المدرسة الوضعية فحسب, بل عمل على تقديم وعرض عدة انتقادات موضوعية تدعم تحرره من المدرسة الوضعية لكونها اهتمت على اختلاف مدارسها بدراسة النظام, أي دراسة المؤسسات كالأسرة والمدرسة والمجتمع وهي بذلك تُكرّس سيطرة النظام الاجتماعي على الفاعلين وتغفل عن الجانب الآخر في المجتمع وهو -الحركات الاجتماعية - التي يعبر بها الفاعلون عن ذواتهم في مواجهة وتصدي وسيطرة وقهر هذه المؤسسات الأمر المستحيل الذي لا يمكن للعالم تورين أن يقبله لأن انتماءه كان من أجل التغيير ورفض سيطرة النظام الاجتماعي على الفاعلين. وأما عن مبادئ السوسيولوجيا التقليدية فيرى أنها مجرد صورة لنمط خاص: تطابق النسق الاجتماعي مع الدولة القومية. ولذلك اشتهر العالم تورين بدراسة الحركات الاجتماعية وبتطويره مفهوم مجتمع ما بعد الصناعي. وكان يعتبر أن الموضوع الرئيسي لعلم الاجتماع هو دراسة التصرفات الاجتماعية التي ترتبط بالتاريخية أي علاقات وصراعات الطبقات وهي ما تسمى بالحركات الاجتماعية. فالهدف -وحسب تورين- من الحركة الاجتماعية هوتحرير الذات التي تمثل إليه مفهوم الفاعل الاجتماعي أي المفهوم الذي يجعل للعلاقة الاجتماعية بعداً أصيلاً في الفرد, كما يؤكد تورين أن الحركة الاجتماعية تكون عن وعي الأفراد بذواتهم في غنى عن تشكيل نقابة سياسية من أجل الدفاع عن مطالبهم يقول :إن الحركة الاجتماعية الجديدة لا تتشكل بالعمل السياسي والصدام لكن بتأثيرها في الرأي العام. والخلاصة نلاحظ أن العالم تورين كان له حضور قويٌّ ومتميزٌ في الساحة العلمية خاصة تحليله العميق للحركات الاجتماعية فهو يعد من أشهر مُنظّري الثورة ويرفض الانسياق وراء المصالح الشخصية فهو يعبر عن نموذج المثقف العضوي ويؤكد دائماً أن دور السوسيولوجي هو رهانه على الحركات الاجتماعية ومواجهة القوى التي تسعى إلى السيطرة والهيمنة.
توفي العالم الفرنسي آلان تورين في عام 2023 عن عمر يناهز الـ 97 سنة بعد أن حُظي بشهرة واسعة في أوروبا وتوّج مسيرته العلمية بحصوله على العديد من الجوائز وأبرزها جائزة إمالفي الأوروبية لعلم الاجتماع عام 1998 فضلاً عن تلقيه شهادات الدكتوراه الفخرية من العديد من الجامعات داخل وخارج فرنسا.. تاركاً إسهاماته العلمية ومنجزاته البحثية التي أثرت مكتبة علم الاجتماع المعاصر وتراثه الأصيل.