إبراهيم بن سعد الماجد
يتجنى ذلك الإنسان عندما يعتبر المتعلقين بالإبل يبالغون في عشقهم ومحبتهم، وما ذلك إلا لكونه لم يجرّب أن يكون محباً لهذا المخلوق الذي جعل الله عظمة خلقه كما هي عظمة خلق السماء والجبال والأرض.
{أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت وإلى الجبال كيف نصبت وإلى الأرض كيف سطحت}
عظمة خلق الجمل والناقة، عظمة متعدية، فهي ليست عظمة خلقه الشكلي، بل عظمة منافعه، لحماً وحليباً وحملاً، بل وفي أبوالها دواء لكثير من الأمراض، وقد أثبتت الدراسات والبحوث العلمية ذلك، وسبقها قبل أكثر من 14 قرناً التوجيه النبوي بذلك.
طرفة بن العبد في وصف دقيق لناقته التي تنقله في فجاج الأرض، وكأنه يصف مركبة من مراكب اليوم الفاخرة .
وإِنِّي لأُمْضِي الهَمَّ، عِنْدَ احْتِضَارِهِ
بِعَوْجَاءَ مِرْقَالٍ تَلُوحُ وتَغْتَدِي
أَمُـوْنٍ كَأَلْوَاحِ الأَرَانِ نَصَأْتُهَا
عَلَى لاحِبٍ كَأَنَّهُ ظَهْرُ بُرْجُدِ
جُمَالِيَّةٍ وَجْنَاءَ تَرْدَي كَأَنَّهَا
سَفَنَّجَةٌ تَبْرِي لأزْعَرَ أرْبَدِ
تُبَارِي عِتَاقًا نَاجِيَاتٍ، وأَتْبَعَـتْ
وظِيْفاً وظِيْفاً فَوْقَ مَوْرٍ مُعْبَّـدِ
تَرَبَّعْتِ القُفَّيْنِ فِي الشَّوْلِ تَرْتَعِي
حَدَائِقَ مَوْلِىَّ الأَسِرَّةِ أَغْيَدِ
تَرِيْعُ إِلَى صَوْتِ المُهِيْبِ، وتَتَّقِي
بِذِي خُصَلٍ، رَوْعَاتِ أَكْلَف مُلْبِدِ
كَأَنَّ جَنَاحَيْ مَضْرَحِيٍّ تَكَنَّفَا
حِفَافَيْهِ شُكَّا فِي العَسِيْبِ بِمَسْرَدِ
وصف في غاية الدقة جمع بين قوة الجمل، وسرعة النعامة، بل وصل إلى وصف شعر ذنبها بجناحيّ نسر.
والشاعر عندما يوغل في الوصف فإن منبع ذلك المحبة والإعجاب.
وممن أخذت الإبل بشغاف قلبه شاعرنا الجزل خلف بن هذال أحسن الله خاتمته إذ يقول:
أخذت من روحي لروحي نصايح
ثلاث يرضن النفوس الضياقي
جمع الحطب ومعلقات الذبايح
وحذف النشاما للغتر والطواقي
بقفرٍ خلا عشبه بالأزهار فايح
غصن الخزاما له بالآخر مراقي
تلقى أم سالم به تجر النوايح
يطيب مع طير الربيع التلاقي
بين أربعة جدران مانيب طايح
قطع الخرايم جبّرت عظم ساقي
في نون عيني بارق الوسم لايح
كن السحاب تسل فيها السناقي
إن عوّدوا غب المطر للفلايح
مانيب فلاحٍ يعدّل سواقي
عوّدت للي يكسبن المدايح
فيهن طرب قلبي ولذة مذاقي
ما أجمل تعبيره بأن الإبل يكسبن المدايح، وهذا هو شأن الإبل وأهلها.
(وذكر علماء اللغة للإبل أسماءً كثيرةً ترتبط بعمرها وبيئتها وغير ذلك، وهذه بعض أسماء الإبل منذ ولادتها حتى شيخوختها، «فولدها حين يسل من أمه «سليل» ثم «سقب» و»حوار» وهو فصيل أو فطيم إذا فصل عن أمه، وفى الثانية «ابن مخاض» لأن أمه تلقح فتلحق بالمخاض وهى الحوامل والأنثى بنت مخاض، فإذا دخل في السنة الثالثة فهو «ابن لبون» والأنثى «بنت لبون» لأن أمه صارت ذات لبني، وفي السنة الرابعة «حق» لأنه استحق أن يحمل عليه، وفي السنة الخامسة «جذع» وفى السادسة «ثني» وفي السابعة «رباع» وفي الثامنة «سديس» وسدس للذكر والأنثى، وفي التاسعة «بازل» قال الشاعر:
وابن اللبون إذا ما لز في قرن
لم يستطع صولة البزل القناعيس
ثم ينتقل بعدها بسنة يطلق عليه «مخلف عام» و«بازل عام» ثم «مخلف عاميني» و«بازل عاميني» ثم هرش أي يصير عوداً وهرماً وماحاً).