رمضان جريدي العنزي
للتضحية نكهتها المميزة، ولها عبير فواح، ولون باهر، وأفعال صاحبها تكتب بمداد من ذهب، تسكن القلب، وتستوطن الروح، فليس أجمل ولا أنبل من القيم الأخلاقية، العابرة لكل الحسابات المصلحية والدنيوية، التي تشد أصحابها نحو النرجسية المطلقة، وتحرمهم من التألق في سماء المكارم العالية، والمناقب السامية، إن أصحاب التضحية كرماء، لهم صور ومواقف فريدة تتكحل بهم العين، ولهم مسارات غاية في النبل، وحمل الهموم الكبار، والانتصار لاحتياجات العائلة، والتفاعل مع آلامهم وآمالهم وأحلامهم، وكل الصفات الحميدة التي تشكل رصيداَ إيجابياَ تبقى محفوظة لدى أفراد بعيدة عن الصدأ والخراب..
«سالم» يافع لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره ، ضحى بنفسه من أجل تلبية احتياجات أسرته، واحد من المميزين على هذه الأرض الكبيرة، بمواقفه وصدقه وأحساسه بالمسؤولية الكبيرة التي وقعت على عاتقه، لقد تحول إلى رقم مغاير، لم تشغله نفسه على حساب أسرته، بعد أن مات والده وترك له أما وأخوانا وأخوات صغارا، لقد أحس بهم وشعر، بعيداَ عن الحسابات الشخصية والأرباح والمكاسب واللذائذ أن التركة الثقيلة التي تركها له والده لم تجعله ييأس أو يقنط أو يتأوه، مارس العمل وساند أمه وأخوته وأخواته، تحمل المشاق والآلام والمعاقات، من أجل أن ينتشلهم من واقعهم المر، إلى واقع أكثر سعة ورحابة، فالرجال لا يحكم عليهم من خلال أعمارهم، ولا ملامحهم البدنية، وإنما يحكم عليهم من خلال ما يحملونه من مبادىء وقيم، وما يعانونه من كد وكدح وتعب ومشقة، وهم يسعون إلى ترجمة ذلك في الواقع الحياتي الذي يعيشونه، وما يبذلونه في هذا المضمار من تضحيات جسام، المواصفات الجمالية مطلوبة للنساء، وجمال المواقف والأفعال والتضحيات فهي للرجال الرجال، لقد توازن في شخصيته الإنسانية، بعيداَ عن اللهاث وراء المكاسب والامتيازات، لم يفقد رشده، ولم يورد نفسه مورد الذل والهوان، وهذا من علوا الهمة والشأن، لم يمنعه ظرفه القاسي من العمل والدراسة، حتى قطع أشواطاً كبيرة في هذا المجال، لم يمنعه وضعه الصعب من الانهيار كونه العائل الكبير، بل كان له الدافع والوقود في التضحية والاستمرار، حتى هيأ الله له من أمره ما تمنى وأراد ورغب، بعد سنوات عجاف من العمل والسهر والتعب، لقد أنتشل أسرته من غياهب الحاجة، إلى فضاءات الرخاء والسعادة، شهادته أصبحت عالية، وتبوأ أعلى المناصب، ثم تفرغ لأعماله الخاصة والتي تدر عليه أرباحاً كبيرة، لقد صنع لنفسه وأسرته مكانة اجتماعية مرموقة، ومضرب مثل، لقد قيل: (الولد البار ريحانة أبيه في حياته، وخلف له بعد وفاته)، لقد رفع رأس أبيه في مماته، ورأس أمه في حياتها، وأصبح قدوة حسنة طيبة لاخوانه وأخواته، بصلاحه واستقامته، ونبوغه وتضحياته، وهي عوامل أفضت إلى تكوين شخصية اعتبارية غاية في التفرد والتميز، وغاية في التقدير والاحترام والتبجيل.