خالد بن حمد المالك
المشاهد اليومية لمظاهر الغضب تكاد لا تتوقف عالمياً ضد حرب الإبادة في غزة، ويتمثّل إظهار هذا الغضب في المظاهرات الشعبية المنددة بإسرائيل، وتأييد قرارات محكمة العدل الدولية، بل وحتى إظهار هذا الغضب من ذوي الأسرى داخل إسرائيل، ومن المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، وفي كثير من وسائل الإعلام المعتدلة في العالم.
* *
يقابل ذلك موقف أمريكي صادم ولم يتغيّر، حتى مع ظهور ما يؤكد أن إسرائيل على لسان قادتها لن توقف مجازرها في غزة والضفة، فيما أن واشنطن تؤكد على استمرارها في تزويد إسرائيل بالسلاح لقتل الفلسطينيين، وتنكر على المحكمة الدولية إدانة إسرائيل ورئيس وزرائها ووزير الدفاع في حكومتها، ولا ترى بأساً في الاستمرار في حرب غزة، مع حمايتها سياسياً لإسرائيل ضد كل من يعترض على سلوك تل أبيب.
* *
وعلى مدى سنوات خلت لم يتغيّر الموقف الأمريكي، ولم تكن واشنطن في مواقفها من الاحتلال بعيداً عن عملها على تكريسه ودعمه، وتقوية إسرائيل عسكرياً لتحول دون أي مقاومة شرعية للفلسطينيين، ما أكد للعالم على أن واشنطن ليست طرفاً نزيهاً أو عادلاً لتقود عملية السلام، كما أن إمساكها بأوراق هذا الصراع، دون مشاركة أي دولة أخرى إنما هو لضمان استمرار الاحتلال، ومنع إقامة دولة للفلسطينيين على أراضيهم المحتلة عام 1976م.
* *
وتصريحات الإسرائيليين المخالفة لواقع ما يحدث، وتأييدها والمصادقة عليها من الأمريكيين، وإنكار واشنطن لوصف المجازر التي تقوم بها إسرائيل على أنها حرب إبادة، يؤكد ما لا مجال لإنكاره على أن الولايات المتحدة الأمريكية شريك فيما يجري من قتل ممنهج منذ السابع من أكتوبر العام الماضي وإلى الآن، مخالفة بذلك الأعراف الدولية، وحقوق الإنسان، وقرارات الشرعية الدولية، ومتخلية عن المبادئ التي تعطي الشعوب حقها في حريتها وأمنها واستقرارها، وحماية هذا الحق من المجتمع الدولي.
* *
حتى وأربع دول تعترف بالدولة الفلسطينية خلال الأيام الماضية، متوافقاً هذا الاعتراف مع سياسات عدد من الدول الكبرى كالصين، فإن الصوت الأمريكي لم يغب عن رفض هذا الاعتراف، والمماطلة في قيام الدولة الفلسطينية، بحجة أن ذلك يجب أن يتم من خلال الحوار، وتلك سياسة أمريكية متجذرة منذ حرب عام 1967م وإلى اليوم، هدفها كسب الوقت، واستمرار إسرائيل في زيادة بناء البؤر الاستيطانية على الأراضي الفلسطينية المحتلة لمنع أي فرصة مستقبلية لقيام الدولة الفلسطينية.
* *
بل إن أمريكا بمواقفها المنحازة لإسرائيل وكأنها تشجعها على ما يحدث الآن من تجويع للفلسطينيين، بدليل أنها لا تعترض على حصارهم، ولا تمانع في إقفال معابر وصول الغذاء والدواء لهم، مع أنها قادرة على إلزام إسرائيل بفتحها، ويمكنها أن تفرض عليها إيقاف القتال والتدمير أيضاً، إلا أن السياسة الأمريكية تمتنع عن ذلك لأنها تتوافق مع الرؤية الإسرائيلية العدوانية، بما لا ينكره عاقل.
* *
وإذا كانت واشنطن جادة، وتريد حلاً سلمياً يعتمد على الحوار الصادق، فعليها أن تلزم إسرائيل بوقف القتال، وتوقف تزويدها بالسلاح، ولا تستخدم حق النقض في قرارات مجلس الأمن الملزمة لإسرائيل، وأن تصطف مع الدول الأخرى في تأييد قرارات محكمة العدل الدولية، وتالياً أن تعترف بالدولة الفلسطينية كما فعل غيرها من الدول، وإن لم تفعل ذلك -وهي لن تفعل- فلا تفسير لهذا الموقف أكثر من أن واشنطن ضالعة وشريكة ومؤيِّدة للحالة التي تمر بها القضية الفلسطينية منذ عام 1948م وإلى اليوم.