م. بدر بن ناصر الحمدان
لازالت شخصية الفرنسي «تيري موجيه» تستوقفني على مستوى حفظ الذاكرة المكانية، هذا الرجل الذي وثّق مشاهداته في الجنوب السعودي مطلع الثمانينات الميلادية في عشرة آلاف صورة، ونشر عنها في سلسلة كتب مثل «عسير غير المكتشفة، رجال الطيب، مدرجات خضراء، رجال بحركة الفرشاة، صور من المملكة، بدو المملكة...» عكس اهتمامه وشغفه بالفنون والعمارة والتراث والموروث الشعبي علاوة على تخصصه الدقيق في العلوم الهندسية والحاسوبية.
ذات يوم قرر تيري موجيه عام 1979 خوض مغامرة في مسيرته المهنية والاجتماعية بالقدوم الى المملكة بالرغم من أن أصدقاءه الذين سبقوه وصفوا له أن ثمة ثقافة مختلفة في المكان الذي سيتجه للعمل فيه بالجنوب، قاده ذلك الى الإصرار على استكشاف ما وراء تلك الجبال التي تحتضن بداخلها حضارة لم يكتشفها أحد من قبل ومن هنا بدأت رحلته المثيرة للاهتمام في أرجاء المملكة.
الأثر الذي تركه تيري موجيه على مستوى إبراز جمالية التراث العمراني السعودي وما ارتبط به من ثقافة إنسانية يبرهن على الدور الرئيس للمجتمعات المحلية أفرادا وجماعات والباحثين والمتخصصين والمهتمين والهواة في رصد مشاهداتهم ومعايشاتهم للأماكن التي يقطنونها أو يمرّون بها، لأنها حتماً ستكون مصادر ومراجع ثرية مع مرور الزمن ولن تقدر بثمن.
سيبقى تيري موجيه أحد أهم أولئك المؤثرين في تاريخ العمران السعودي وبناء الصورة الذهنية عنه لاسيما في الجنوب، إذ أن قراءته وتحليله للخصائص المعمارية كمثقف أجنبي - غير متخصص - قدمت تجربة فريدة في تحليل فلسفة التعايش بين الإنسان وبيئته المبنية بأسلوب مباشر وغير متكلف وهو ما جعل مؤلفاته تلقائية وقريبة من فهم الناس وانجذابهم إليها كونها كانت تعبيراً مباشرا عن حياتهم.
التوثيق التلقائي أكثر تأثيراً في حياة الناس، هذا يختلف تماماً عن الدراسات والأبحاث العلمية التي قد لا تحمل نفس الجاذبية التي قدمها تيري موجيه - رغم أهميتها -.