مشعل الحارثي
تابعنا قبل أسبوعين ذلك الجدل الواسع والمتباين بعد اعلان إمكانية نقل سحب الطائف إلى المشاعر المقدسة لتلطيف الأجواء والتخفيف من شدة الحرارة المتوقعة خلال حج هذا العام 1445هـ، إلا أن المتحدث باسم المركز الوطني للأرصاد سارع في إيضاح أن البرنامج لازال قيد الدراسة ولن يستفاد منه في حج هذا العام ، وسواء تم الاستفادة منه هذا العام او الأعوام التي تليه فالمؤشر المهم وراء ذلك كله هو تلك الجهود التي لا تكل ولا تمل من قيادة وحكومة بلادنا الرشيدة لتسهيل أداء هذه الشعيرة العظيمة (الحج) على جموع الحجاج والبحث المتواصل عن كافة الحلول وتذليل العقبات التي تعترض أدائهم لهذا النسك بكل يسر وراحة وسهولة واطمئنان تام.
ولسنا هنا في حاجة للتذكير بأهمية الماء وأنه من أهم مقومات وأسباب الحياة وأهمية المحافظة على هذه النعمة الكبرى وعدم استنزافها خاصة مع ما حملته لنا السنوات الأخيرة من تغيرات مناخية عصفت بثوابت الطقس وتسببت في وقوع الكثير من الكوارث والفيضانات وهطول الأمطار في أماكن لم تكن تسقط عليها سابقاً أو العكس، وما رافق ذلك من إجراء العشرات من الدراسات والبحوث المستفيضة في مختلف دول العالم وتنفيذ عدد من البرامج والتجارب العلمية لمحاولة التغلب على قضايا التصحر وظواهر الجفاف ومنها تجارب الاستمطار الاصطناعي في الدول التي تعاني من الجفاف المزمن كالمكسيك، وروسيا، وإسرائيل، والصين والأرجنتين، والمغرب، وتايلاند وأستراليا ومؤخراً في دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية التي بدأت فيها تجارب الاستمطار منذ عام 2004م وأجرتها بمنطقة عسير وأظهرت نتائج إيجابية في تلقيح السحب المتشكلة على الجبال جنوب غرب المملكة.
ويؤكد الخبراء في هذا المجال بأن استمطار السحب يعد من الطرق العلمية الحديثة الواعدة والتقنيات الجديدة لزيادة كمية ونوعية الأمطار وتحفيز وتسريع عملية هطولها على مناطق معينة، وتتم هذه العملية من خلال عدة طرق أرضية وجوية ومنها استخدام طائرات متخصصة لبذر مواد دقيقة أو محرضات ليس عليها ضرر على البيئة وفي أماكن محددة من السحب وفي ظروف معينة لإحداث تغيير في العمليات الفيزيائية الدقيقة داخل السحابة نفسها لزيادة ادرارها للمطر.
لقد بدأت معرفة الإنسان بالعمليات الفيزيائية في الظواهر الجوية والتحكم بالطقس منذ الستينات الميلادية من القرن الماضي عندما قاد الدكتور (أرون ما جوير) حملة لدعم مشروعه لمحاولة تبديد الأعاصير في البحر، والتي تنشأ في جنوب الولايات المتحدة وقبل أن تصل إلى اليابسة وذلك بموافقة وتمويل من الحكومة الأمريكية التي تراجعت عن تمويلها بعد عشرين عاماً بسبب عدم تحقيق أي تقدم في المشروع لأنها كانت في بدايتها ولم يكن العالم آنذاك يملك التقنيات التي يملكها العالم اليوم من رادارات وأقمار صناعية تؤهله لرسم صورة دقيقة لما يحدث في ذلك الإعصار، وفي أوروبا كانت هناك محاولات بريطانية عام 1953م لمعالجة مشكلة الضباب الذي يستمر لعدة أيام ومحاولة التخلص منه بتحويله إلى سحب ولكن لعدم توفر البيانات والتقنيات الحديثة اللازمة باءت هذه التجربة بالفشل.
فيما سجلت الصين سبقها في هذا المجال وحققت نجاحاً كبيراً في تقنيات التحكم بالطقس، عندما استخدمتها فترة استضافتها للألعاب الأولمبية عام 2008م التي تزامنت مع موسم الأمطار في بكين ومع يوم حفل الافتتاح الذي خطط له من زمن وأنفقت عليه الملايين، حيث كانوا قد جهزوا معدات أطلقوا عليها اسم معدات التحكم بالطقس تحسبا لأي طارئ.
وفعلا حدث أن بدأت السحب تتكاثف في الأفق ليلة الافتتاح، وأمام دهشة الجميع أطلقوا صواريخ نشرت مادة في الأجواء أعاقت عملية تكون المطر، وبرزت عملية التحكم في الطقس كتقنية تخطت مستوى الاختبار التجريبي إلى وسيلة يمكن الاعتماد عليها في مثل هذه الأحوال، ثم اخذت الصين بعد ذلك في تطوير هذه التجربة لتبدأ فيها بشكل عملي منذ عام 2013م فأصبحت تنتج سنوياً (55) مليار طن من الأمطار الاصطناعية بهدف تنقية أجواء المدن المزدحمة والملوثة.
بقي أن نشير إلى أن اهتمام المملكة الكبير ببرنامج استمطار السحب الذي يقوم عليه المركز الوطني للأرصاد في السنوات الأخيرة قد دخل مرحلته الثانية ويستهدف زيادة نسبة هطول الأمطار من (5 - 20 %) ويتوجه في هذه المرحلة إلى كل من الباحة والطائف وعسير وجازان ، وهو أحد معطيات رؤية 2030 ومن المبادرات الإقليمية التي تقودها المملكة العربية السعودية ومخرجات قمة الشرق الأوسط الأخضر التي أعلنها سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان حفظه الله والتي تستهدف إيجاد مصادر جديدة للمياه، وتخفيف ظواهر الجفاف، وتأمين مصادر مائية جديدة، وزيادة مقدرات المملكة الطبيعية من المساحات الخضراء وتكثيف الغطاء النباتي، وتحقيق الاستدامة البيئية وصولاً لتحقيق مستقبل أكثر استدامة للأجيال القادمة.