منيرة هادي العصيمي
الكل يعلم، وعلى قناعة تامة أن الفساد تعطيل للتنمية، وسُوس ينخر في جسد الوطن، ومولد للأحقاد والأضغان التي قد يصيب الوطن جزء من ويلاتها بلا ذنب غير أن أحد الفاسدين يمثل الوطن أمام المجتمع من خلال المنصب الذي يشغله أو الجهة التي يديرها. ولطالما أذاع الإعلام ضبط حالات فسادٍ إما على مستوى الأفراد أو على مستوى المؤسسات والمنظمات؛ وذلك إعلانا للحرب الضروس على الفساد والمفسدين ، تلك الحرب التي يترأسها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان - حفظه الله- والتي كانت حربا عادلة وفي توقيت مناسب تماشيا مع التطور الذي يشهده الوطن وتحقيقا للرؤية الطموحة والتي يعتبر الفساد أحد معوقاتها.
إلا أنني ومن خلال رؤيتي البسيطة ألاحظ أن هناك أمرين أتمنى التركيز عليهما في هذه الحرب الأول: أن الفساد غالبا ليس مجرد فرد بل شبكة ممتدة ومتغلغلة تعمل على حماية الفاسد في الخط الأول والتطبيل له وتثبيت أركانه واستدامة بقائه في مكانه لخدمة مصالحهم المشتركة.
الثاني: أن المسؤول الفاسد أشبه بأكاديمية تخرج المزيد من الفاسدين وتعلمهم ألوان الفساد وكيفية التعامل مع النظام بالحيل الملتوية التي قد توهم العامة بجواز ما يقومون به من تخريب، فحتى لو رحل أو حوسب يبقى أثره متغلغلا في المؤسسة التي عمل بها ويظل تلامذته ينتهجون سلوكه الفاسد؛ مما يجعل ضرر الفساد مستمر على الوطن و المواطن بأيدي الأخطبوط الممتدة في كل جهة ؛ لذلك أرى أن تكون الحرب على الفساد كالحرب على المخدرات من حيث التعامل، فلا يكتفي بمحاسبة المفسدين في الخطوط الأمامية بل لابد من النظر للشبكة التي تعززهم وتدعمهم وتقويهم، ولو بالكلمة أو التصفيق أو التطبيل والعمل على اجتثاث جذورهم كاملة بعد رصد ومعرف كافة عناصرها، وتطبيق منهج الدولة حفظها الله بالتشهير بالمفسدين والإعلان عنهم مهما كان نوع الفساد وعدم الاكتفاء بما يتم الآن، وهذا منهج إسلامي في إشهار الحدود حتى يرتدع الآخرين ويميز الخبيث من الطيب.
كذلك العمل على سرعة تطبيق نظام الخصخصة لجميع الأجهزة الخدمية والتي لها علاقة مباشرة بالمواطن كالصحة والتعليم والطرق حتى تكون هناك منافسة عالية في تقديم الخدمات وحرص كبير على رضا المستفيد بما يحقق جودة الأداء، ويتحول التركيز من المصالح الشخصية إلى الصالح العام وخدمة المستهدف الحقيقي من خدمات الوطن وهو المواطن لأصحاب المناصب والنفوذ.
من جانب آخر، ستعمل الخصخصة على مساهمة القطاع الخاص وبشكل كبير في الحرب على الفساد؛ حيث سيتعارض الفساد مع مصالح الشركات والمؤسسات الخاصة وعلى نطاق أضيق ومستوى أقرب يسهل معه اكتشافه، ولنا في تجارب الاتصالات والكهرباء والبنوك خير شاهد في ارتقاء الخدمة المقدمة للأفراد ودعم الكوادر المتميزة بما يخدم الوطن والمواطن ويدعم التنمية المستدامة.