د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تعتبر الصين دولة ناشئة في صناعة الرقائق، تود بناء قدراتها في هذا القطاع من أجل اللحاق بالعالم الغربي لتعزيز هيمنتها الاقتصادية، في ظل اشتداد حرب الرقائق بين الولايات المتحدة والصين بضراوة، لكن تحاول الصين إقامة علاقات وثيقة مع حلفاء واشنطن الآسيويون اليابان وكوريا الجنوبية، خصوصا وأن اليابان بارعة في صناعة الرقائق الإلكترونية، وكذلك كوريا الجنوبية وتايوان، وهما يحاولان التوازن بين حليفهما التجاري في آسيا الصين وبين تحالفاتهما الأمنية مع واشنطن.
جعل الصين تعقد قمة ثلاثية مع اليابان وكوريا الجنوبية هي الأولى منذ عام 2019، أي أن حرب الرقائق يجعل الصين تخطب ود حلفاء واشنطن الآسيويون في محاولة اختراق الصين بعدما ضعت الولايات المتحدة قيودا على تصدير الرقائق الإلكترونية الدقيقة إلى الصين باعتبار الرقائق جزء من الأمن القومي الأمريكي، ما يجعل الصين تتجه إلى وضع حلول عبر الحوار مع اليابان وكوريا الجنوبية حيث تطمح الصين إلى أن تبرد اتفاقات قمة سيول نيران حرب الرقائق مع واشنطن.
تزامنت هذه القمة مقابل استخدام ملفات جيوسياسية بإجراء الصين مناورات عسكرية لاختبار القدرة في الاستيلاء على السلطة في تايوان، وفي نفس الوقت إجراء كوريا الشمالية تجربة إطلاق قمر صناعي انتهى بالفشل، ما يعني أن هناك حربا تكنولوجية باردة في السباق للوصول إلى التفوق في الذكاء الاصطناعي، ومن يفوز في هذا السباق يكسب الأسواق العالمية، وفي نفس الوقت تستخدمه الدول الكبرى في التفاوض فيما بينها، تضع العالم أمام نظام جديد تكون له تداعيات على الاقتصاد العالمي.
تسيطر الصين واليابان وكوريا الجنوبية على 23.4 في المائة من الناتج الإجمالي العالمي، ونحو 19 في المائة من التجارة العالمية، ونحو 20 في المائة من سكان العالم، وتسيطر مجتمعة على جزء ضخم من التجارة والاقتصاد في العالم بحركة حاويات 42.1 في المائة، وتسيطر في نفس الوقت على صناعة السفن بنحو 97.3 في المائة، ونحو 41.2 من الاحتياطيات الأجنبية.
اتجهت بكين إلى إطلاق أكبر صندوق استثماري في الرقائق الإلكترونية في تاريخها بقيمة 47 مليار دولار، وأنفق العالم نحو 380 مليار دولار لدعم شركات إنتاج الرقائق الإلكترونية وجيل جديد من أشباه الموصلات بهدف الاكتفاء الذاتي في هذا القطاع، وخصصت الولايات المتحدة نحو 52 مليار دولار، كذلك خصص الاتحاد الأوروبي نحو 81 مليار دولار وكوريا الجنوبية نحو 19 مليار دولار.
عندما نقارن بين الصين وأمريكا في صناعة الرقائق الإلكترونية، فالصين متأخرة في كثير من القدرات نتيجة العقوبات التي فرضتها أمريكا بتصدر احدث التكنولوجيا إلى الصين، فيما تحصل أمريكا على الكثير من عناصر الرقائق من الصين، يفرض ذلك ضرورة التعاون والتفاوض، بل يمكن لهذه القمة الثلاثية أن تكون حجر أساس لخطوات مستقبلية، خصوصا وأن الصين حققت طموحات جريئة في غضون سنوات قليلة، وهو ما تعمله السعودية كذلك، وعقد مؤتمر ثلاثي بين الصين وكوريا الجنوبية واليابان رغم انه لم ينتج عن المؤتمر محصلات مهمة لسد الفجوة لكل دولة، رغم هناك إمكانات هائلة لإحراز تقدم للوصول إلى تقدم في التكنولوجيا المتقدمة التي سبقتهم الولايات المتحدة.
تتسارع التكنولوجيا بشكل كبير، فأمريكا ميزتها امتلاك تصميم الرقائق، فيما الصين ميزتها امتلاك البيانات الضخمة التي تعتمد الآلات على تطوير نفسها على تلك البيانات الضخمة التي تمتلكها الصين، وهو تطور دراماتيكي في تطوير النماذج الحالية، ما يجعل الصين تسعى إلى تسريع تطور صناعة الرقائق مستثمرة بما لديها من كميات هائلة من البيانات وعلماء يمكن أن تلحق بالركب، كذلك أعلنت كوريا الجنوبية عن خطة لشركات إلكترونية كبرى مثل سامسونغ إلكترونيكس وإس كيه هاينكس سيشمل المشروع لاستثمار أكثر من 470 مليار دولار حتى 2047 لإقامة أكبر مركز لصناعة الرقائق الإلكترونية في العالم، بهدف اللحاق بالسباق العالمي لتأمين سلاسل إمداد محلية الرقائق، لإنشاء مركز عملاق لصناعة الرقائق الإلكترونية بطاقة إنتاجية تصل إلى 7.7 مليون رقيقة شهريا بحلول 2030، سيشمل المشروع بناء 13 مصنع رقائق وثلاثة مراكز أبحاث جديدة.
كذلك تود السعودية موطئ قدم في تلك الصناعة خصوصا بعدما أصبحت وجهة للمستثمرين لنقل التكنولوجيا وتحديدا في أشباه الموصلات، خصوصا وأنها تمتلك ميزة رخص الطاقة، تود الاستفادة من قدرات جميع الدول، جعل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية كاكست توقع عقدا مع شركة الصين للطاقة الكهربائية والمعدات والتقنية، و مع شركة بكين لتقنية الإلكترونيات الدقيقة اتفاقية تفاهم لإنشاء مركز لتصميم وتصنيع الرقائق الإلكترونية، وتدعم كوريا الجنوبية صناعة الرقائق بأكثر من 7 مليارات دولار لتعزيز قطاع أشباه الموصلات، وستعلن شركة آلات السعودية عن شراكات مع شركتين أميركيتين للتكنولوجيا بحلول نهاية يونيو 2024، وستستثمر بالتوازي مع شركة استثمار أميركية، وسبق أن أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان عن تأسيس شركة آلات بهدف جعل السعودية مركزا عالميا للإلكترونيات والصناعات المتقدمة، وتخطط الشركة لاستثمار نحو 100 مليار دولار في الصناعات التكنولوجية والمتقدمة بحلول 2030.