د.عبدالله بن موسى الطاير
الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بارع في تحويل التحديات إلى فرص، إنه تاجر ويكسب من كل الأسواق، لا يهمه الطريقة التي يكسب بها، المهم أنه كسب. خرج بعد إدانته في 34 تهمة جنائية ليصب جام غضبه على المحكمة والمحلفين والقاضي، وهي ذات المشاعر التي يمكن أن يقولها مذنب خرج للتو من المحكمة، الفارق أن لترامب صوتاً مسموعاً لا يتمتع به غيره، وأنه قادر على نقل المشاعر البسيطة والعفوية التي يتداولها الناس في السجون وملاعب كرة القدم والأزقة والنوادي بدون تحسين أو ترشيح، إنه يرددها وهو المرشح لأقوى منصب سلطة في العالم، فيخلب بذلك عقول الجماهير لأنه يتحدث لغتها مع نفسها التي لا تستطيع مشاركتها في العلن وبخاصة ما يتعلق منها بالعنصرية والهجرة والقضاء.
الرئيس ترامب أحكم سيطرته على الحزب الجمهوري، وله أتباع سيصوتون له حتى وهو في السجن - التهمة التي ثبتت عليه لها عقوبات غير السجن -، ولكن الخطير هو أنه استطاع وخلفه عدد كبير من نجوم الجمهوريين السياسيين والإعلاميين من تمرير خطاب يرثي حال العدالة الأمريكية، ويصف أمريكا أنها استقرت بين دول العالم الثالث عندما فتحت حدودها للبشر القادمين من التخلف، فأصابوها بالعدوى. عدالة مفقودة كما يقول الجمهوريون، واستهداف سياسي للمرشح الرئاسي الأوفر حظاً، وقد خطط ترامب لهذه اللحظة منذ أعلن ترشحه في صبيحة اليوم التالي لإعلان نتائج انتخابات الكونجرس النصفية الماضية، كان يعلم أنه سوف يلاحق قضائياً في ملفات كثيرة، فأراد أن يجعل لذلك سبباً وهو استهدافه سياسياً وقد نجح في ذلك.
يعترف بعض المحللين السياسيين الأمريكيين أن التأثير الفوري لما حدث في محكمة نيويورك لا يمكن إنكاره، وأنه غيّر النسيج السياسي الأمريكي بشكل جذري. إلا أن الفزعة الحزبية، واندفاع المانحين الجمهوريين للتبرع لحملة ترامب، والتغيير الطفيف في استطلاعات الرأي يشير إلى أن الحكم على ترامب قد يكون له تأثير أقل خطورة على نتيجة الانتخابات الرئاسية المقبلة، وقد أشار 67 % من المستطلعة آراؤهم أن الحكم لن يؤثر على قراراتهم في التصويت للمرشح الرئاسي في 5 نوفمبر القادم. ومع ذلك فإن الحكم على المرشح الرئاسي ولأول مرة على رئيس أمريكي سابق بارتكاب جرمية يقدم لمعسكر الرئيس بايدن سلاحاً مهماً هم في مسيس الحاجة إليه وسوف يستخدمونه بدون هوادة في تحذير الأمريكيين من انتخاب «شخص مجرم» لرئاسة دولتهم، وسيكون لذلك تأثيره من وجهة نظر الديمقراطيين.
إحدى الجمهوريات المناوئة لترامب قالت بعد إعلان الحكم «إن الناخبين من خريجي الجامعات والناخبين الأصغر سناً «مترددون حقا في العودة إلى صفوف الحزب الجمهوري الذي يرأسه دونالد ترامب». وهذا الحكم «سيعزز هذه المخاوف بشكل أكبر». من الطبيعي أن يصدر عنها هذا الموقف إذ هي في الجانب المناوئ لترمب، إلا أن هناك عوامل كثيرة تذهب في الاتجاه المعاكس لرغبات أعداء ترامب؛ ومن ذلك ميل عامة الناس لدعم المستضعفين الذي يقفون في وجه السلطة سواء أكانت سلطة تنفيذية أو قضائية، وأن المرشح المقابل محل تشكك كبير، ولا يرى بعض الناخبين حتى في أوساط الديمقراطيين أن العمر وقواه الصحية وأداءه الاقتصادي والسياسي يؤهله لفترة ثانية، وأن خطاب الرئيس ترامب البسيط والعدواني ضد المهاجرين والملونين يلامس قناعات بعض الفئات الأمريكية جمهورية وديمقراطية.
كتبت سابقاً وأعيد التأكيد على أن ظاهرة ترامب لن تترك أميركا وحالها، وقد أثخنت ليس في النسيج السياسي فحسب وإنما في الفضاء العام، وسواء أعاد منتصراً إلى البيت الأبيض أو ولى منهزماً في الخامس من نوفمبر هذا العام فإن أثره سيبقى وظاهرته سوف تتفشى وسيكون لها ما بعدها على أمريكا ولفترة طويلة.