خالد بن حمد المالك
إذا صحت الأنباء بأن الكونجرس الأمريكي دعا أو سوف يدعو رئيس وزراء إسرائيل لإلقاء خطاب أمام أعضاء المجلس كرد على قرار محكمة الجنايات بأنه مجرم حرب، ويجب إلقاء القبض عليه، فإن هذا يعني - فيما يعنيه- أن أمريكا ضد العدالة، ضد القوانين الدولية، وأنها تتعامل بازدواجية مع قرارات المحاكم الدولية، وهو موقف معروف، ولا يجهله أحد، ولكنه في هذه الواقعة يقدِّم دليلاً لم يسبق من قبل في تأكيد واشنطن على شراكتها مع إسرائيل في قتل الفلسطينيين، وحرمانهم من أي دولة لهم على أراضيهم المحتلة.
* *
أمريكا اليوم وأمس وغداً هذا هو موقفها من عدوان إسرائيل، وقتل المدنيين الأبرياء، وحرمانهم من الحياة الطبيعية حتى وهم تحت الاحتلال، وهي لا تقبل في تعاملها أن يكون اتجاهها وسياستها حتى بأنصاف الحلول، فكيف بها تقبل بالحلول المنصفة الكاملة، وهي الآن من تستدعي مجرماً لإلقاء خطاب أمام أهم مؤسسة دستورية في البلاد، بدلاً من إلقاء القبض عليه، وتسليمه للعدالة لينال جزاء ما اقترفه من إبادة جماعية لشعب أعزل، ضمن حرمانه من الماء والدواء والغذاء، وممارسة كل أشكال وأصناف التنكيل به مستفيداً ليس من صمت واشنطن فحسب، وإنما من دعمها ومساندتها وتعضيدها للمحتل سياسياً ومالياً وعسكرياً.
* *
أمريكا ليس ضمن أولوياتها إيقاف الحرب بقدر ما يهمها أن يتم إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين لدى حماس، وهي من تصر على استمرار إسرائيل في مجازرها، وأن يكون توقف الحرب لبضعة أيام فقط، تستأنفها إسرائيل بعد إطلاق سراح الأسرى، دون وجود أو إعطاء أي ضمانات لإيقاف الحرب بشكل نهائي، وانسحاب الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة، وهي حيلة ولعبة مكشوفة، الهدف منها سحب الورقة المهمة لدى حماس وهم الأسرى، لتكون الأجواء مفتوحة لمزيد من الإمعان في القتل، دون تحوّط أو مراعاة لوجود أسرى إسرائيليين لدى حماس بعد أن يكون قد تم الإفراج عنهم، وهو ما أخَّر الاتفاق بين إسرائيل وحماس بناءً على ما عرضه الوسطاء على الجانبين.
* *
وفي حلقة من حلقات هذا التفاوض قال الرئيس الأمريكي بأن على حماس أن تقبل بالورقة الإسرائيلية، وبدون هذا القبول المشروط بالرؤية الإسرائيلية، فإن إسرائيل سوف تواصل قتالها، وكأن الرئيس الأمريكي بايدين يتحدث باسم رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، وهو موقف غير مستغرب، إذا علمنا أن الرئيس الأمريكي قال إن إسرائيل لو لم تكن موجودة لأوجدناها، وأن وزير خارجيته قال في أول زيارة له لإسرائيل بعد السابع من أكتوبر بأنه لم يأت إلى إسرائيل بوصفه وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، وإنما جاء إلى تل أبيب كونه يهودياً، وأن جده اليهودي كان قتل متجاهلاً تسمية من قتل جده.
* *
لا بأس من دعوة رئيس وزراء إسرائيل المدان كمجرم حرب، رداً من الكونجرس على ما صدر بحقه من حكم عادل، رغم احتجاج بعض الشرفاء المنصفين من أعضاء الكونجرس الذين سارعوا إلى رفض هذه الدعوة، وقرروا عدم حضور الجلسة وقت إلقاء خطاب سيكون مليئاً بالأكاذيب، والتهرب من المسؤولية بإيجاد مبررات لجرائمه وجيشه، لكني أتساءل لمَ لا يُدعى رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لإلقاء خطاب من باب الاستماع إلى الروايتين عن أحداث وتقلبات آخر استعمار واحتلال لأراضي الغير في العالم، حتى ينظر العالم إلى دعوة نتنياهو وعباس على أنها فرصة لسماع وجهتي النظر عن هذه القضية، حتى وإن كان رئيس وزراء إسرائيل مجرماً مداناً دولياً، أتساءل مع علمي ويقيني بأن أمريكا لن تفعل ذلك، لأنها جزء من المشكلة، ولا ترغب أو تنوي أو تفكر في أن تكون جزءاً من الحل.