اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
تابعت باهتمام شديد، الحديث الشامل الذي أدلى به ولي عهدنا القوي بالله الأمين، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، رئيس مجلس الوزراء لـ(ذا أتلانتك) وتناولته الصحافة المحلية.
وصحيح.. كان حديثاً شاملاً بحق، عرَّج فيه سموه الكريم على موضوعات عدة مهمة شملت: علاقاتنا الخارجية مع كلٍّ من أمريكا، قطر وإيران. أما فيما يتعلق بإسرائيل، فقد كان واضحاً ومحدداً كعادته دوماً، مؤكداً على ضرورة تحملها للمسؤولية، وتسوية مشاكلها مع الأشقاء الفلسطينيين، إن هي كانت جادة في علاقات سوية مع محيطها.
أما فيما يتعلق بالشؤون الداخلية، فقد أوضح ولي عهدنا القوي بالله الأمين في كلمات واضحات مختصرات، المرتكز السياسي الذي قامت عليه المملكة، مؤكداً أنها ستستمر على المبدأ نفسه الذي تأسست عليه (الملكية المطلقة). وكان بجانب هذا واضحاً بالتأكيد على عدم السماح لأيٍّ كان بالتدخل في شؤوننا الداخلية، مثلما نحن لا نتدخل في شؤون غيرنا. مؤكداً قدرة السعوديين وكفاءتهم لإدارة شؤونهم بأنفسهم بما يحقق مصالحهم، ويضمن لهم استقلالهم واستقرارهم وتنمية بلادهم وازدهارها وتمكينها من أداء رسالتها في الاستخلاف في الأرض.
والحقيقة، شمل حديث سموه الكريم محاور عدة فيما يتعلق بسياستنا الداخلية، تناولت الاقتصاد، مكانة المرأة في بلادنا وما تحقق لها من مكاسب، السياحة، التطور الاجتماعي الذي حققته بلادنا خلال السبع سنوات الأخيرة، الفساد وشدَّة حرص سموه الكريم على استئصال شأفته، حتى إن سرق المتجاوز بيضة واحدة.
كما أكد سموه الكريم حرص بلاده على العودة للإسلام النقي الوسطي، الذي لا مجال فيه لتنطع أو تزمت، ولا استحواذ لفئة لدور (المرشد)، مشيراً إلى خطورة الدور السلبي الهدام للمتطرفين، سُنَّة وشيعة، ومن بينهم جماعة الإخوان التي كان لها (القدح المعلى) في تفريخ التطرف وما أفضى إليه من مشاكل معقدة في المنطقة والعالم على حدٍّ سواء.
كما أوضح سموه الكريم نظرته وفهمه العادل لأكثر مذهبين سائدين في بلادنا (السُّنَّة والشيعة) محذراً من الترويج لأحدهما على حساب الآخر ليجعله من يروجون له الطريقة الوحيدة لفهم الدين في بلادنا.
على صعيد آخر، أكد ولي عهدنا القوي بالله الأمين، عزم السعوديين وتصميمهم على إنجاح مشروعهم (رؤية 2030) مهما كان الثمن، وإخراس كل تلك الأصوات النشاز التي يرددها الانهزاميون الذين يراهنون على فشل المشروع، مؤكداً لهم أن رهانهم هذا على جواد خاسر لا محالة (مجرد بوغ لعمالة نتنة مكشوفة). كما بشَّر سموه الكريم بقرب بزوغ فجر مشروع توثيق الأحاديث النبوية الشريفة المثبتة، في إطار سعي الدولة للعودة إلى الإسلام النقي الوسطي، الذي لا مكان فيه لجهل أو أهواء تمنح هذا صكوك الغفران، وتمنعها من ذاك.
مؤكداً على تطور بلاده وفقاً لمبادئها التي لا تسمح بالحياد عنها أبداً؛ مرتكزة على مقوماتها الاقتصادية والثقافية وشعبها وتاريخها وإرثها الحضاري.. وغير هذا كثير مما اشتمل عليه حديث سموه الكريم لـ(ذا أتلانتك).
هذا فيما يتعلق بالموضوعات التي تناولها سموه الكريم في حديثه بإيجاز. غير أنه ثمَّة جانب آخر في شخصية ولي عهدنا القوي بالله الأمين، يغفله كثيرون. ولهذا لم يجد حقه من البحث والدراسة: الشخصية القيادية الاستثنائية التي تظهر للعلن بوضوح في كل كلمة يتفوه بها؛ فكلامه واضح محدد، مباشر؛ لا التباس فيه ولا التواء ولا مداهنة، ولا مكاناً لمنطقة رمادية.. يؤكد هذا نبرة صوته ونظرة عينيه، وكل ما يستعمله من لغة الجسد من حركات وإشارات تعطي قوة شديدة لحديثه ومصداقية؛ إضافة للقدرة على السرد والاستطراد واستدعاء الأفكار، وقوة الحجة واستقامة المنطق. يضاف إلى هذا حدَّة الذكاء، حضور البديهة والقدرة على النكتة التي تجعل المتلقي لا يمل، بل يطلب المزيد؛ إضافة إلى الحزم والعزم والقدرة على الحسم في أصعب المواقف.. تلك الصفات القيادية المذهلة التي استمدها سموه الكريم من المؤسس ومن والده خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه، وسدَّد على طريق الخير خطاه.
هذا كله بجانب تلك الثقة الراسخة في عون الله ونصره، واحتساب الأجر بنية خالصة لخدمة الأُمَّة، والعزيمة الماضية على السير قدماً في طريق التنمية والتطور.. يؤكد هذا كله قدرة مدهشة على العمل والإنجاز والإبداع والتميز، يوجهها فكر نيِّر يدفعها دوماً نحو النور، مهما اشتدت وعورة الطريق وبعد المسير وتخاذل الرفيق.
والحقيقة، كم كنت أتمنى أن يتسع المجال للحديث عن هذا الجانب الآخر المدهش في شخصية ولي عهدنا القوي بالله الأمين القيادية.. وإلى حين يتسع المجال لتناول هذا الجانب المشرق في شخصية أبا سلمان القائد الهمام، أعود لكي أؤكد هنا ما كنت أردده دوماً لقناعتي به، وأعيده اليوم، وسوف أظل أردده ما حييت: مهما حقق لنا قادتنا الكرام البررة من عمل وإنجاز وإبداع، ومهما أظهروا لنا من صفات قيادية فريدة.. لن يدهشنا هذا أبداً؛ لأن ذلك هو ديدنهم، وتلك هي الفطرة التي جبلوا عليها. فهنيئاً لنا بهم، وهنيئاً لأُمَّة الإسلام بقادة كرام مثلهم.