عبدالله إبراهيم الكعيد
الضمير في عنوان حكاية اليوم لا يعود لكاتب هذه السطور ولا لشخص بعينه، إنما لنموذجٍ يوجد لدينا ولدى غيرنا. نمط من أنماط الشخصيات شديدة الغرابة.
يسمع الناس في العادة عبارة اصلاح العالم من خلال خطاب منظمة الأمم المتحدة حتى أنهم وضعوا شعار (متّحدون من أجل الإصلاح) في ترويسة موقعهم الإليكتروني، ورغم هذا لم يُصلحوا أجهزتهم بما فيها مجلس الأمن الذي أصبح مصدر انتقاد واستنكار العالم. لكن أن يتصدى فرداً واحداً أياً كانت قوته ونفوده وصلاحياته لإصلاح المجتمع فهو العجب بعينه.
سأرمز لهذا الفرد بالسيّد (س).
في المعتاد يستيقظ صاحبنا متأففاً مستنكرا حتى من أحلامه لكن هذه المرّة من الأرق الذي مرّ بهِ بسبب بكاء طفل الجيران. قال لنفسه لعل أُمّه لم تطعمه أو هو مريض تكاسل والده عن الذهاب به للمستشفى أو ربما يود الصغير قضاء الحاجة بينما والدته تغط في نومٍ عميق. ما هذا الإهمال؟ إذا كانوا ليسوا بأكفاء على تحمل مسؤوليات ضناهم فلماذا يأتون بهم إلى هذه الدنيا؟ أما إذا كان أحدهما غير كفء فلماذا يتزوجان أصلاً؟
لا، لا الأمر لا يمكن السكوت عنه.
يقرر السيد (س) الذهاب من فوره للجيران كي يحل المشكلة ويُصلح حال الطفل الباكي.
يعود وقد سمع كلاماً قاسياً ألطفه (أنت ملقوف).
لم يتأثر أو يبتئس فهو قد تحصّن مذ قرر أن يكون الإصلاحي رقم واحد في العالم (حسب اعتقاده) بمبدأ أن (الناس بطبيعتهم لا يحبون الخير) حين يسمع السيد (س) كلاماً جارحاً بسبب تدخله فيما لا يعنيه (حسب رؤيتهم) أو يُطرد من مكان أتى اليه دون دعوة فهذا يعني (حسب رؤيته) أنه على الطريق الصحيح الذي يستوجب النضال للأبد.
يرى صاحبنا أن تعريف الملقوف الذي يتداوله الناس خاطئ فهو لا يرى نفسه ذاك الشخص الذي اعتاد التدخل في أمور لا علاقة له بها وليس له صفة أو سلطة أو مبرر. لأنهم لا يدركون مصالحها هكذا بكل وضوح وأنا الوحيد الذي يعرفها. وتلك مشكلتهم وليست مشكلتي.
أزفت الآزفة التي لم يحسب لها السيد (س) حسابا، حين قرر إيصال استنكاره لكل العالم ولم يجد أنسب وسيلة غير التحدث عبر الإذاعة الرسمية التي يصل بثها لكافة أطراف المعمورة فذهب إلى حيث مقر الإذاعة والتلفزيون وحاول الدخول. هكذا بكل حماقة دون تصريح أو استئذان.
مُسيّر أمن الموقع الهام كان حكيماً وحليماً. حين سمع رغبة صاحبنا ابتسم وأدخله كشك الحراسة المكيّف. لاطفه وطلب له شاياً بالنعناع. وفي آخر الحكاية ودّعه وهو يركب حافلة مكتوب على جانبيها (دار إيواء الملاقيف).