أمين شحود
لطالما تهربت من سؤال يوجه إليّ باستمرار: لماذا لا تقود السيارة؟ فأحاول التنصل من الإجابة، إلى أن استجمعت قواي مؤخراً وأخبرتهم بالحقيقة.
ولما تأملت حالي من دون سيارة وجدت أنه خير من حال أولئك الذي يقودون؛ فلا حرق أعصاب ولا مشاحنات ولا وجع رأس ولا توتر ولا مواقف مزحومة أو تصادم مع نفوس مزكومة.
ولا تَعنيك رسائل المرور ولا أسعار المخالفات.. تسمع القوم يتكلمون عن «ساهر» فلا تبالي وكأنهم يتحدثون عن أداة هامشية في حضارة الأمازون القديمة..
لا يعنيك بؤس الورش، ولا «بريستيج» السيارات وأقساطها ومشكلاتها.
إنّ عدم وجود سيارة يعني أنك تمشي أكثر لصحة أفضل..
يعني أنك تستغل أوقات «المشاوير» الطويلة فتتصفح الجوال وتدردش براحتك «وليس عين على الجوال وعين على الطريق فتصبح العينان وكأنها غمّاز سيارة». يعني أنك تتأمل الطبيعة والحياة وسلوك الناس أثناء تنقلك من مكان لآخر.
يعني أنّ علاقتك تتوطد بالرائعين من الأصدقاء «والصديقات» عندما يفزعون لك أو ربما يشفقون عليك فيوصلوك في طريقهم أو حتى غير طريقهم، وتشعر بمتعة أن تكون أحياناً عالة على المجتمع، أو يكون وجهك «مغسول بمرق».
تذكرت هذه الفوائد بينما كنت أتمشى تحت الجو الغائم الجميل المصحوب بزخات المطر.. يا لها من نعمة لو علم بها أصحاب السيارات لتركوا سياراتهم وما فيها من عناء ومعاناة، وصاروا مثلي من دون سيارة.
قيل لحكيم: لماذا يفقد بعض الناس أعصابهم أثناء القيادة؟
قال: لأنّ عقلهم الواعي منشغل بالقيادة، فتطفو مشاعرهم اللاواعية تلقائياً على السطح.
وأضاف الحكيم: إن الشارع يا بني يُنبئ عن أخلاق الرجال، فلا مكان فيه للمجاملة أو المصلحة، فإن أردت اختبار خلق أحد فاختبر سلوكه في الطريق، وإنّ 95 % من البشر لا ينتبهون لتصرفاتهم أثناء القيادة.
قيل: فما مصدر معلوماتك؟
قال: من مشاهداتي ومن «الكيس».
ثم إنّ المطر انهمر بشدة وحاولت أن أجد تاكسي ألتجئ إليه هروباً من المطر فلم أجد، طلبت سيارة من تطبيقات التوصيل فلم يستجب أحد.. بقيت على تلك الحال مدة طويلة توسخ خلالها ثوبي وغرق حذائي وخربت تسريحة شعري وتأخرت عن موعدي، وصاحبت قطة بائسة ما لبثت أن وجدت مكاناً آمناً لها تحت الحاوية «فسحبت علي» وتركتني وحيداً.. آآآخ لو كان عندي سيارة.