فضل بن سعد البوعينين
عملت المملكة، منذ إطلاق رؤية 2030 على استثمار مقوماتها الاستراتيجية، الاقتصادية، الاستثمارية، والسياسية، وإعادة بناء اقتصادها على أسس من الاستدامة والكفاءة، ومواكبة المتغيرات العالمية، وصناعة المستقبل لأجيالها القادمة، وتعزيز مكانتها العالمية من خلال عمليات تطوير شاملة، وتحول استراتيجي مدروس.
كما اهتمت كثيراً بتحقيق متطلبات القوة الناعمة، اعتماداً على ما تمتلكه من قيم، ومبادئ إسلامية، وأخلاق إنسانية، وحضارة، وتنمية شاملة.
أصبح، وبفضل الله، نموذج التحول السعودي، أو مشروع الأمير محمد بن سلمان النهضوي، مثالاً حياً على القوة الناعمة التي تصنعها قطاعات التنمية والاقتصاد، التدفقات الاستثمارية، الثقافة والفنون، الترفيه، الرياضة، والمنظومة الإعلامية التي تنقل ما يحدث للعالم الخارجي، حيث ساهمت منظومة الإعلام السعودي في تعزيز القوة الناعمة، والتأثير الإيجابي على المتلقين، وعكس صورة المملكة الحديثة، إضافة إلى نقل كل ما له علاقة بالثقافة والفنون والمشروعات الكبرى.
وشكلت المؤتمرات الإعلامية منصة مهمة لمخاطبة العالم الخارجي، وتحسين الصورة الذهنية السائدة، وكسب مزيد من الأصدقاء الذين تحولوا، بعد مشاهداتهم واقع التطور الحضاري، من الجانب الهجومي إلى الدفاع عن المملكة وقضاياها العادلة.
ولا يمكن إغفال الدور المهم والرئيس، لقطاع الثقافة والفنون في تعزيز الدبلوماسية الناعمة، فهو أحد أهم القطاعات المؤثرة، أو ربما أهمها على الإطلاق، ما أكسبه العناية الاستثنائية من سمو ولي العهد، وحصوله على الدعم اللامحدود، وتوفير جميع متطلباته، ومعالجة ما يعترضه من تحديات.
ومع كل الجهود المقدرة التي تقدمها وزارة الثقافة، وبعض مشروعاتها وبرامجها المتميزة، فهي قادرة على تعزيز جودة مخرجاتها لتحقيق مزيد من المستهدفات الاستراتيجية. تعدد هيئات الوزارة يجعلها أمام تحدٍّ مرتبط بالحوكمة، والاستثمار الأمثل للمقومات المتاحة، وتعزيز قدرات الهيئات، وتوجيه وضبط مخرجاتها، إضافة إلى أهمية خلق إطار عام موحد مرتبط بالهوية والمصالح الوطنية المتوافقة مع الرؤية، ومتطلبات مرحلة التطوير والتحول الاستراتيجي.
حوكمة القطاع، وبناؤه على قاعدة صلبة من المعرفة والجودة واحترافية العمل، وتناغم مخرجاته مع مستهدفات الرؤية، والمعايير الوطنية التي تدعم الأعمال الفنية والمشاركات المعززة لتحسين صورة المملكة في الخارج، وتعكس ثقافة المجتمع وأصالته، وتبرز هويته، من أهم أدوات التطوير المرجوة، إضافة إلى الحوكمة المالية وتحقيق كفاءة الإنفاق، وتعزيز الرقابة.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، لا يمكن قبول أعمال فنية لا تتوافق مع الأهداف الاستراتيجية أو معايير الهوية الوطنية، أو أن تعمل على ترسيخ قضايا مجتمعية قديمة عفا عليها الزمن، وتمت معالجتها، واجتثاثها مجتمعياً وتشريعياً.
إجازة الأعمال الفنية، وتشكيل الأجنحة في المعارض الدولية يحتاج إلى قيمين وطنيين يمتلكون القدرة الفائقة على فحص الأعمال الفنية والتأكد من الرسائل المبطنة التي يحاول الفنانون تقديمها من خلال أعمالهم. فهدف المشاركة في المعارض الدولية هو نقل الصورة الإيجابية عن المملكة، والترويج لها، وإبراز حضارتها، ومشروعاتها، وتحويل الفنون المُتبناة إلى أداة من أدوات القوة الناعمة. بل إن من المهم تبني المشروعات الفنية التي سيُشَارك بها في المعارض الدولية من الصفر، أي أن تكون أعمالاً موجهة الأفكار، قائمة على رؤية حصيفة تسهم في تقديم رسائل إيجابية تروج للمملكة، ولحضارتها، ولما وصلت إليه من تطور وازدهار.
وطالما أن تمويل المعارض، والأجنحة الوطنية يأتي من الدولة، فمن الواجب أن يكون القائمون عليها ملمين وملتزمين بالأهداف الوطنية المراد تحقيقها، وأن تكون مخرجاتها متوافقة مع الرؤية والمعايير الفنية الجاذبة، ومحققة لمتطلب الترويج الإيجابي، ونقل جمال الثقافة السعودية، وعمقها الحضاري والتنموي، ومجتمعها المضياف المحب للشعوب، ومحققة للمنفعة المتوافقة مع التكاليف المنفقة. أي أن تعكس مخرجات الفنان، ومحتويات المعارض، والأجنحة، الرؤية الوطنية الخالصة، لا توجهات صانعي الأعمال الفنية، أو معتقداتهم وأفكارهم التي ربما ارتبطت بترسبات قديمة تجاوزها المجتمع.
مازال بعض الفنانين والفنانات متعلقين بقضايا مجتمعية بائدة، ومنها قضايا المرأة التي تمت معالجتها فأصبحت من الماضي، أو الحريات العامة التي باتت متاحة وفق تشريعات محكمة، وغيرها من القضايا الجدلية. كما أن بعض الفنانين والفنانات ينتجون أعمالهم بروح انهزامية تُظهرنا بصورة رجعية عن الشعوب الأخرى، رغم رقي المجتمع وتقدمه ومنافسته العالمية، والحضارات التي احتضنتها هذه البلاد الطيبة، ومنها حضارة ما قبل الإسلام، والحضارة الإسلامية، والحضارة التي نعيشها اليوم في المملكة.
ومن هنا تبرز أهمية التوجيه والقيادة في قطاع الثقافة والفنون، وأهمية عدم ترك القطاع دون حماية تنظيمية وحوكمة عالية تقوم في أساسياتها على قاعدة الأمن الوطني، ومستهدفات رؤية 2030 التي لايمكن الحياد عنها.
للثقافة والفنون دور مهم ورئيس في القوة الناعمة، بل هي الجسر الأهم للتواصل بين الشعوب، كما أن دورها الترويجي لتعزيز السياحة والتدفقات الاستثمارية، أمر مفروغ منه، ما يستوجب العمل على استكمال حوكمة القطاع، وتعزيز كفاءته، وبنائه على أسس سليمة ضامنة لمخرجاته، واستثمار الكفاءات الوطنية المخلصة، والمتميزة والاعتماد عليها لتحقيق المستهدفات الوطنية في القطاع.