خالد بن حمد المالك
ما يجري في قطاع غزة من قتل تتناقله عدسات المصورين عبر القنوات الفضائية، بأشكال مشوهة، وممارسات متعمدة، حيث الجثامين تحت الأنقاض، أو في الطرقات، في مشاهد مبكية، وحزينة، وصادمة، ما لم نره في حروب أخرى.
* *
قساوة العدو في هذا الانتقام غير المبرر، دون فرز بين المدنيين من رجال ونساء وأطفال، ورجال المقاومة الذين يتصدون للعدوان بما يمتلكونه من سلاح محدود، إنما ينم عن حقد إسرائيلي دفين، فالجيش الإسرائيلي لم يترك مساحة آمنة لمن ليسوا طرفاً في الحرب، وإنما ساوى بين الجميع، بل إن ضحاياه الكثر هم من المدنيين، بدليل استمرار حماس في مقاومة اجتياحه دون حسمه للمعركة.
* *
إسرائيل هذا هو تاريخها، وهذه هي جرائمها، وتلك هي سياساتها مع شعب تحتل أرضه، ولا ترى بأساً فيما تفعله من جرائم، لأن وجودها مرهون بجعل الشعب الفلسطيني في حالة ترقب دائم للعدوان، وفي أجواء من عدم توفر الأمن والاستقرار، وهنا أتساءل: أين ضمير العالم مما يجري من استهداف للأبرياء المدنيين، ممن لا مشاركة لهم في هذه الحروب الدامية، ولماذا دول العالم بين مؤيد وداعم لإسرائيل، أو صامت عن قول كلمة الحق، بينما يُقتل شعب، وتُحتل أرضه، ويُمنع عنه الماء والدواء والغذاء؟
* *
عجوز تبكي قتلاها، ورجل مسن يتحدث عن مأساته، وطفل هائم على الأرض لا يدري أين والداه وأسرته ومصيرهم، وكل هذا لا يثير إنسانية دول العالم، ولا يجد منها تنديداً، أو مواقف حازمة ضد عدوان إسرائيل، وكأن الفلسطيني ليس إنساناً يستحق الحياة كما هو غيره.
* *
وما يجب أن تفهمه إسرائيل، ويتفهمه العالم، أن أصحاب الحق، من تُحتل أرضهم لن يستسلموا، وأنه ما ضاع حق وهناك من يُطالب به، وهذا ما نعتقده بالفلسطينيين الذين لا يطالبون بأكثر من استعادة أرضهم، وإقامة دولة لهم عليها، وهو ما تقره الأعراف والقوانين الدولية، والقرارات الشرعية، والتاريخ الموثق بهذه الحقوق.
* *
وخيار الدولتين ليس خياراً مناسباً للفلسطينيين، وإنما هو خيار لمصلحة إسرائيل أيضاً، إذ بدون قيام دولة للفلسطينيين لن تهنأ إسرائيل بالأرض والسلام معاً، مهما ارتفع سقف عدوانها وحرمانها لحقوق الفلسطينيين، والدليل أن 76 عاماً من الاحتلال لم يطفئ جذوة المقاومة الفلسطينية، رغم حجم القتلى والعذاب والتهجير والحرمان، بما ينبغي على داعميها وحلفائها إفهامها وإلزامها بأنه لا حل لهذا الصراع الدامي دون دولة فلسطينية.
* *
إسرائيل لا ترى في غير استثمار الأسلحة الأمريكية والأوروبية (المجانية) في حربها ضد الفلسطينيين من حل بأمل هزيمتهم، وتعتقد أن تقويتها تسليحاً ضمانٌ لها في منع قيام الدولة الفلسطينية، وهي مخطئة في هذا التصور، وليس أبلغ من أنها فشلت على مدى ثمانية شهور في تحقيق أهدافها المعلنة في حرب غزة.