نبيل النعيم
تقوم صناعة النفط الخام والغاز بتحليل البيانات باستخدام البرمجيات والخوارزميات المعقّدة لتحديد كل شيء، بدءًا من مواقع الحفر المستقبلية وحتى أفضل ممارسات التشغيل لخطوط الأنابيب. ومع وجود أنظمة الحاسوب اليوم، فيمكن الاستفادة منها إلى أقصى حد لإنجاز الأعمال. وفي الواقع، نحن بحاجة إلى أن نكون قادرين على التعامل مع مجموعات بيانات أكبر والحصول على نتائج أسرع.
أسهمت أنظمة الحاسوب في أن تبادر أرامكو السعودية إلى البحث في حوسبة الكم، والتي يُتوقع أن تكون القفزة التالية في القدرات الحاسوبية. وتتوقع الشركة أن تكون أجهزة الحاسوب هذه، والتي تعمل بطريقة جديدة تمامًا، أسرع بكثير من تلك التي تستخدمها حاليًا، ويمكن أن تؤدي قدراتها إلى إحداث تحوّل في سلاسل الإمداد والخدمات اللوجستية والاستخراج والمعالجة والعديد من جوانب أعمال أرامكو السعودية.
على سبيل المثال، يمكن استخدام الحاسوب الكمي لتحديد الحل الأمثل لتقليل كثافة ثاني أكسيد الكربون في المنشآت الهيدروكربونية. فهو يتطلب تحليل المركبات الكيميائية بسرعة أكبر، باستخدام المزيد من البيانات، مقارنة بأجهزة الحاسوب الحالية.
هناك الكثير مما يتعيّن القيام به للوصول إلى هذه النقطة، ولهذا السبب تعمل الشركة على تطوير خبراتها في هذا الموضوع من خلال الشراكة مع الخبراء في جميع أنحاء العالم، فأرامكو السعودية بحاجة إلى جعل التقنية تعمل بشكل موثوق على نطاق واسع، والقيام بذلك يعني استيعاب بعض المفاهيم الصعبة.
وليس من السهل فهم حوسبة الكم، فعلى مدى الأعوام السبعين الماضية أو نحو ذلك، كانت الشركة تعتمد على ما يُعرف بـ»الحوسبة التقليدية». وهي أجهزة الحاسوب التي تقوم بتخزين المعلومات كـ»بيانات مجزأة» وهي إمّا «متوقفة» ويمثلها صفر، أو «مُشغلة» ويمثلها واحد. وكان دمج أعداد هائلة من هذه البيانات الرقمية لتمثيل بيانات معقدة يمثل أمرًا لا يُصدق!
في المقابل، فإن لبنة البناء الأساس للحوسبة الكمية هي «الكيوبت» التي يتم تمثيل البيانات من خلالها، وهي اختصار لـ(quantum bit) وربما تكون إلكترونات أو فوتونات أو ذرات يمكن تشغيلها وإيقافها في الوقت نفسه. وقد أصبح هذا الوضع غير المعقول ممكنًا بفضل المفهوم الأساس لفيزياء الكم، المعروف باسم التراكب.
وتُعد البيانات الرقمية هي المفتاح لفائدة رئيسة لحوسبة الكم حيث يمكن توسيع قوتها بشكل كبير، مما يفتح المجال لقدرات هائلة.
ومع ذلك، فإن حوسبة الكم لا تخلو من التعقيدات. فبينما تُعطي المدخلات نفسها في الحوسبة التقليدية المخرجات ذاتها، إلا أنّ هذا ليس هو الحال بالنسبة لحوسبة الكم، التي تتعامل مع الاحتمالات بحيث إننا لا نستطيع أن نتنبأ على وجه اليقين بنتيجة الحساب مسبقًا، ولا يعني ذلك أن النتيجة عشوائية، ففيزياء الكم تتبع القوانين لكن نتائجها لا يمكن أن تعطي إلا نتائج احتمالية، ولذلك، يجب تصميم خوارزمية كمية لزيادة احتمالية النتيجة المرجوة.
إن عدم اليقين هذا هو أحد أسباب تركيز أرامكو السعودية كثيرًا على مرحلة البحث في حوسبة الكم. وهناك الكثير من التحوّل الذي يتعيّن القيام به لأخذ المفاهيم التي تعمل بشكل جيد من الناحية النظرية وجعلها موثوقة للاستخدام اليومي.
وتتفاقم المشكلة بسبب عدم استقرار أجهزة حوسبة الكم. وهناك عدة طرق لإنشاء الكيوبتات، مثل استخدام الإلكترونات أو الفوتونات، وجميعها أنواع مختلفة من الجسيمات التي يمكن معالجتها لأغراض الحوسبة، ولكن يجب أن تبقى هذه مستقرة. إذ يحتاج بعضها إلى تبريد هائل، وبعضها الآخر حساس للضوضاء أو الاهتزازات أو الضوء.
وهنا يأتي دور الخبرة لحل هذه التحديات، ولهذا السبب بدأت أرامكو السعودية بالفعل في رفع مهارات موظفيها وتطوير كفاءات جديدة من خلال مبادرة حوسبة الكم. ومن خلال العمل مع جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في الظهران، أنشأت الشركة كرسي حوسبة الكم لتطوير الأبحاث وتبادل المعرفة مع الجيل القادم، إلى جانب العمل مع شركاء أرامكو السعودية في القطاع.
وإدراكًا لأهمية التقنية، استثمرت أرامكو السعودية في شركة باسكال، وهي شركة ناشئة وواعدة، لتوطين التقنية في المملكة، ونتيجة لذلك، وبحلول عام 2025، من المتوقع أن تتاح أول آلة كمومية محلية متاحة لخدمة أرامكو السعودية والمملكة من خلال خدمة السحابة الكمية.
بالإضافة إلى ذلك، تعمل أرامكو السعودية أيضًا مع شركة IBM على تعاون إستراتيجي لإنشاء مركز للابتكار في الرياض، حيث تعد حوسبة الكم أحد مجالات الاهتمام. وتستكشف أرامكو السعودية التعلم الآلي القائم على الكم مع شركة متخصصة في نوع معين من حوسبة الكم باستخدام ذرات محايدة. وميزة هذا الأسلوب هو أنه يعمل دون الحاجة إلى تبريد كبير.
المجال الآخر الذي تراقبه الشركة عن كثب وبصورة حثيثة هو الأمن السيبراني، فقوة الحاسوب الكمية من المحتمل أن تسمح بتجاوز ضوابط الأمن السيبراني الذي يعتمد عليه جزء كبير من الإنترنت، لذلك تركّز الشركة على التقنيات الأمنية الجديدة التي يمكنها السيطرة على أي اختراقات محتملة. والقيام بذلك بسرعة لا تصدق. كما تبحث فيما إذا كانت هناك حاجة إلى تقنيات جديدة للأمن السيبراني وما قد تكون عليه، ولا تزال أمامنا عدة سنوات قبل تحقيق ثمار هذا البحث، لكن الإمكانات هائلة.
يمكن لحوسبة الكم أن تحوّل ليس فقط صناعات الشركة، بل جميع الصناعات. وبالنسبة لأرامكو السعودية، فإن حوسبة الكم هي أحد المجالات العديدة التي تركز عليها في عملها لتطوير الحلول الرقمية للمستقبل.
** **
- النائب الأعلى للرئيس للرقمنة وتقنية المعلومات في أرامكو السعودية