خالد بن عبدالرحمن الذييب
استكمالاً لسلسلة «مقولات خاطئة»، والتي بدأتها بمقولة: «ابدأ من حيث انتهى الآخرون»، رأيت أن أكمل بمقولة «يستفزونك ليخرجوا أسوأ ما فيك ثم يقولون هذا أنت، لا يا عزيزي هذا ليس أنا، هذا ما تريده أنت.» وهي عبارة تنسب للكاتب الإيرلندي برنارد شو، والتي اتخذها البعض حجة لأي ردة فعل سلبية تصدر منه أو من رمزه، فهذه العبارة غالباً تُضرب لإعطاء مبرر للشخص المُستفز، خاصة إذا كان له أتباع، فإن أول من يردد هذه العبارة هم الأتباع للدفاع عن رمزهم. وأقول إن الاستفزاز حيلة الضعيف، والتجاوب مع الاستفزاز هي الضعف بذاته. فطالما أن خصمك نجح في استفزازك فهذا أنت لا تكابر...
هذا أنت، لأنك لم تستطع أن تقاوم الضعيف إلا بضعف مماثل...
هذا أنت، لأنك حين تجاوبت خلعت قناعك وأخرجت حقيقتك للناس...
هذا انت، لأن الرجل الحقيقي من يظهر معدنه في الأزمات، ووقت الشدائد...
هذا أنت، لأن الرجل الحقيقي يحكم عقله، ومن يحكم عقله لا يستفز.
عمر بن عبدالعزيز كان يسير ذات مرة ليلا فتعثر في رجل نائم في المسجد فاستيقظ الرجل من نومه فزعا وأمسك بثوبه قائلاً: أنت أعمى؟ فقال عمر: لا، فاخرج خادم عمر الذي كان يسير معه سيفه، وقال: دعني أضرب عنقه، فقال عمر: ولم؟، قال: إنه سبك وأنت أمير المؤمنين، فقال عمر: إن الرجل سألني سؤالا أنت أعمى فقلت لا!
وهذا النبي هود عليه السلام، قال له قومه «إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظنك من الكاذبين» فعلى الرغم من اتهامه بالسفاهة، وهي تهمة تخص عقله، وبالكذب وهي تهمة تخص ذمته، إلا أنه بدأ كلامه بـ»يا قوم» فهو لا يزال يعتبر نفسه من قومهم، وأنهم مهما حصل منهم قومه وعشيرته، وبعد ذلك رد على الاتهام العقلي «ليس بي سفاهة» ثم أكمل قائلاً «ولكني رسول من رب العالمين»، والهدف، «أبلغكم رسالات ربي»، لماذا يا هود «وأنا لكم ناصح أمين»، ولاحظ أنه لم يعر التهمة الثانية أي اهتمام.
رد هادئ دون أن يدخل معهم في نقاش شخصي، «لا، أنا لست سفيها، بل أنتم السفهاء، أنتم الحمقى» وتضيع الفكرة الأصلية. وهذه قاعدة لا يضيّعك خصومك عن الفكرة الأساسية لمشروعك، وتدخل في قضايا فرعية، ولا تصدق هذه المقولة «يستفزونك ...الخ» لأنهم سيستفزونك ويستفزونك ويستفزونك، فمتى ما استجابت، فهذا أنت! حتى لو أنكرت.
أخيراً..
الحُلم صفة سعيد من جَبُلَ عليها...
والأسعد، من ضغط على نفسه وجَبَّل نفسه عليها...
ما بعد أخيراً...
قيل لأفلاطون: «بماذا يُعرف الحكيم أنه حكيم؟ فقال: إذا لم يكن بما يصيب من الرأي معجبا، ولما يأتي من الأمر متكلفاً، ولم يستفزه عند الذم الغضب، ولا يدخله عند المدح النخوة والكبر».