د. عبدالرحيم بن محمد المغذوي
يمثّل العقل الوعاء النابض في الإنسان والذي يقوم بجميع الوظائف التي يتصرف الإنسان على ضوئها ووفق مؤشراتها في الحياة العامة والخاصة.
بل إن المخزون الوثائقي للعقل يشكل مدخلاً كبيراً في حياة ومستقبل التواصل الإنساني بينه وبين نفسه وبينه وبين محيطه الاجتماعي.
بالتالي العقل لا يقوم بذاته من فراغ بل لابد من ملئه بالمعطيات والمدخلات المتنوعة في شؤون الحياة ومن هنا تكمن أهمية بل وخطورة المدخلات العقلية والفكرية والثقافية والاجتماعية عامة سواء كانت في مجالات التربية والتعليم أو المجالات الدينية والعقدية والتعبدية والأخلاقية والقيمية والسلوكية وهلم جرا في شؤون الحياة وتكاليفها وتضاعيفها التي يسلكها المرء.
ومن الإشكالات التي يواجهها العقل العربي في العصر الحديث خاصة هي محاولات التأثير عليه واستلاب هويته وانتمائه الوطني المتميز وإصدار الإملاءات والإشاعات المبرمجة والدعايات المتلونة بألوان الطيف الترددي في الحياة المعاصرة. وخاصة في ظل الظروف الخاصة والعامة وما تحمله من برامج الإعدادات والتصاميم والجرافكس والفوتوشوب وما تحمله من المتغيرات والمستجدات والتحديات التي تعصف بالمنطقة العربية والإسلامية بل والعالم. من هنا فإن الجماجم العربية بمكوناتها العقلية والفكرية والثقافية والاجتماعية ببولوجيا وسيكولوجيا بحاجة إلى حماية حقوق الإنسان العربي وحرياته العامة والخاصة بدءاً من العقل والفكر الذي هو رأس الأمر.
ولسائل أن يسأل وهل يتميز الإنسان العربي في عقله عن بقية البشر؟ ولماذا ندعو إلى المحافظة عليه وإعادة تشغيل الأوضاع كاملة في دماغه؟
الأسباب الحقيقية كثيرة جداً جداً فالعقل العربي هو مستودع الديانات السماوية ومستودع الحضارات القديمة وبطل العالم في الإنتاج العلمي والمنهجي والمعرفي الكبير.
العقل العربي في أمس الحاجة إلى إعادة النظر في تشكيله ليقوم بخمس وظائف أساسية:
1 - المحافظة على الميراث القيمي.
2 - التعايش السلمي مع الآخرين.
3 - الإبداع العلمي والابتكاري.
4 - المشاركة الأصلية في الحضارة.
5 - الاستقلالية وعدم الذوبان في الآخر.
وبالتالي فجميع المؤسسات الاجتماعية والنفسية والفكرية والثقافية والتعليمية والتوجيهية والدينية والإعلامية والاتصالية وغيرها يقع عليها واجب كبير وعبء ضخم في شد الأزر والتكاتف والتعاون المشترك لإعادة تشكيل العقل العربي في العصر الحديث حتى لا يكون فريسة سهلة وسريعة للقوى المنحدرة عليه من عوالم متفرقة. القوى العالمية العابرة للقارات لن تترك العقل العربي جوهرة نقية مصونة بل ستنظر في محتوياته ومكوناته وطريقة تشغيله بما يتوافق والمصانع الحديثة، كما أن بعض القوى الإقليمية العاملة في الساحات العربية بالطول والعرض تشتغل على طريق صيانة وتشغيل أجهزة العقول العربية بما يتوافق ونظم المعلومات والتشغيل الخاصة بها وبمصالحها وراياتها وعملاتها في البورصات العالمية.
العقل العربي بحاجة إلى الرفق به وتوجيهه الوجهة السليمة والمنهجية القويمة بعيداً كل البعد عن لوثة المصالح الفئوية والفلكلورية وبعيداً عن الاستلابية في الدين والوطن والقيم والإنسانية.
العقل العربي بحاجة إلى تشكيله لينهض من جديد ليواكب نهضة العالم محافظاً على قيمه في حياته الدينية ومحافظاً على وطنيته ومكافحاً في سبيل البقاء حراً أبياً كريماً متسامحاً نقياً من اللوثات والمنغصات والإملاءات والاحترابات.
دمتم بعافية ودامت عقولكم بخير.
** **
- أستاذ الدراسات العليا في الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سابقاً