د. أحمد محمد القزعل
كلّما تمعّن الإنسان في مخلوقات الخالق ازداد إيماناً به واعترافاً بعظمته، فكلّ ما حولنا دليل على وجود الله -عزّ وجلّ-، وعلاقة الإنسان المسلم بالبيئة علاقة انسجام وتفاعل، فالإيمان بوجود الله -عزّ وجلّ- يؤدّي إلى تنمية الرّقابة الدّاخليّة في نفس الإنسان، فيدفعه إلى تحمّل المسؤوليّة والالتزام بأوامر الله سرّاً وعلانية، ومنها: عدم الاعتداء على البيئة والمحافظة عليها.
وتوعّد الله -عزّ وجلّ- الذين يفسدون في البيئة بالوعيد الشّديد، ونهاهم عن هذا السّلوك المذموم، فقال تعالى: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ} [سورة البقرة:205].
إنّ علاقة الإنسان بالبيئة لا تتوضح إلّا إذا وجد الوعي البيئيّ عند الإنسان وإيجاد هذا الوعي عند الإنسان من أهمّ الأمور التي نسعى إليها في عصرنا الحاضر، ولقد وضّح الإسلام علاقة الإنسان بالبيئة، فحثّ الإسلام الإنسان على التأمل والتفكير فيما حوله، وكلّما تفكر الإنسان في البيئة المحيطة به، والمخلوقات من حوله ازداد إيماناً بالله -عزّ وجلّ-، فكلّ ما حولنا دليل على وجود الله وقدرته وهذا مصداق قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [سورة فصلت: 53].
وعندما يتفكر الإنسان في البيئة من حوله، فإنّه سيكون قادراً على معرفة أسرارها والاستفادة منها والمحافظة عليها، فالإنسان يأخذ من البيئة جميع متطلّبات حياته من طعام وشراب وكساء ودواء ومسكن، فقال سبحانه: {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاء صَبّاً ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقّاً فَأَنبَتْنَا فِيهَا حَبّاً وَعِنَباً وَقَضْباً وَزَيْتُوناً وَنَخْلاً وَحَدَائِقَ غُلْباً وَفَاكِهَةً وَأَبّاً مَّتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ}[سورة عبس: 24-32].
وهكذا فإنّ الإنسان هو الكائن الأكثر تفاعلاً مع البيئة وبقدر ما يحافظ الإنسان على البيئة، فإنّه يستفيد منها ويتمتّع بها وبقدر ما يسيء في تعامله معها بقدر ما يلحق الضرر بنفسه وحياته.
ولقد حارب الإسلام الفساد والإفساد بصوره كافة، ولعل الإخلال بالتّوازن البيئيّ يعدّ صورة من صور الفساد في الأرض؛ لأنه يدمّر مقوّمات حياة الإنسان ويضر بوجوده على هذه الأرض.
إنّ إفساد الأرض وما حولها بالاعتداء عليها، والإخلال بالتّوازن البيئيّ أمور محذورة لا تستقيم معها الحياة. ومن حكمة الله تعالى أن حفظ الله للإنسان هذا التّوازن البيئيّ ليستمرّ سير الحياة، والحفاظ على هذا التّوازن يقتضي الحفاظ على العناصر الأساسيّة للبيئة وحمايتها بشكل دائم ومستمرّ.
أخيراً: فإنّ البيئة أمانة في أعناقنا، وإنّ الاحسان في التّعامل مع البيئة ومكوناتها يعدّ من الأمور الأخلاقيّة التي نادى بها الإسلام ولقد ربط الله -عزّ وجلّ- المبادئ الأخلاقيّة بمبدأ الثّواب والعقاب، فمن امتثل لأوامر الله -عزّ وجلّ- وتمتّع بأخلاق البيئة وحافظ على كلّ ما فيها فإنّه سينال رضا الله تعالى عليه في الدّنيا والآخرة، وهذا كفيل لوحده بأن يؤدّي الإنسان دوره في حماية البيئة والحفاظ عليها.