خالد بن حمد المالك
يكرر رئيس وزراء إسرائيل التزامه بإعادة الأسرى الإسرائيليين لدى حماس مهما كلفه ذلك من ثمن، مع علمه بأن هذا الثمن سيكون عودة الأسرى جثامين إلى أهاليهم، وأن إنقاذهم من الأسر لن يتم بدون صفقة لتبادل الرهائن بالشروط الفلسطينية، وليس بما تريده أمريكا وإسرائيل.
* *
إسرائيل تريد إعادتهم إلى ذويهم دون أن تقدم ثمناً لذلك، والثمن الذي يطرحه الفلسطينيون يتمثَّل في وقف فوري ودائم لإطلاق النار، وانسحاب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة، والاتفاق على تبادل الأسرى بين الجانبين تحدد حماس بعض من يجب أن يفرج عنهم بالاسم، أي أنها هي من تختارهم.
* *
في المقابل، إسرائيل تريد هدنة لأيام مقابل إطلاق أسراها، ومن ثم تستأنف الحرب بعد أن يكون جميع أسراها قد عادوا إلى إسرائيل، وهي من سيختار من ينبغي إطلاق سراحهم من الأسرى الفلسطينيين، وأنها لن تنسحب من قطاع غزة، وستعود إلى احتلاله، مع سيطرتها على معابر دخول احتياجات أهالي القطاع من الدواء والغذاء وغيرهما، فضلاً عن القضاء على حماس.
* *
هذا التباين في المواقف بين الإسرائيليين والفلسطينيين يجعل الوصول إلى حل قريب غير ممكن نظرياً، غير أن إسرائيل أمام الضغط الداخلي والخارجي ستكون ملزمة ومجبرة على قبول شروط حماس، وإن حاولت واشنطن الضغط على الوسطاء ليضغطوا بدورهم على حماس للقبول بشروط إسرائيل التي أعلنها الرئيس الأمريكي.
* *
وللتذكير فإن ما كان قد أعلنه الرئيس الأمريكي عن خارطة طريق إسرائيلية لتحريك المفاوضات وعودتها من جديد، قابله رئيس وزراء إسرائيل وآخرون في حكومة العدو بالازدراء، وأن ما تحدث به بايدن لا يشمل كل شروط إسرائيل، وأن الرئيس الأمريكي قام بعرضه (ناقصاً، ومبتوراً)، بل إن بعض وزراء حكومة إسرائيل هددوا بالانسحاب من الحكومة وإسقاطها إذا ما قبل رئيس الوزراء بأي حل تتخلى فيه إسرائيل عن أهدافها.
* *
هذا الجو المشحون بالخلافات بين الإسرائيليين أنفسهم، وبينهم وبين حماس، وعجز أمريكا عن فرض إرادتها على إسرائيل، وتفهم الوسطاء (مصر وقطر) لحذر وتخوف الفلسطينيين من أن يكون العرض المطروح مصيدة للفلسطينيين للإجهاز عليهم بعد تحرير الرهائن الإسرائيليين، يجعل من حل الخلاف قضية ربما تكون مستعصية حتى الآن.
* *
لكن في السياسة كل شيء يمكن أن يتغير، وما يحدث في إسرائيل من غليان قد يسمح بتراجع الإسرائيليين عن تصلبهم، خاصة وأن الخلافات فيما بينهم على أسلوب وآليات الحل ربما تكون مناورة وليس تشدداً كنوع من الضغط على الفلسطينيين للقبول بما هو معروض رغم أنه لا يخدم الفلسطينيين لا من قريب ولا من بعيد في هذا الصراع التاريخي المرير.
* *
إن إصرار وثبات الجانب الفلسطيني على موقفه وشروطه، مع استمرار المظاهرات الداخلية ضد حكومة نتنياهو، ومثلها في الخارج، وما يتكبده الجيش الإسرائيلي من خسائر بين قتلى ومصابين، وتأثير استمرار الحرب على إسرائيل اقتصادياً وأمنياً، يجعل من تراجع إسرائيل عن شروطها أمراً ممكناً ومتوقعاً، حتى وإن أظهرت وسائل الإعلام الإسرائيلية على لسان قادة الحرب الإسرائيليين في الحكومة والجيش غير ذلك، وعلينا الانتظار لما ستكشفه الأيام القادمة.
* *
ومع كل هذا، فهناك ثمن غال وكبير يدفعه الفلسطينيون، قتلى وجرحى بالعشرات يومياً، وهدم للمنازل، وتجويع للمواطنين، وسلسلة الجرائم الإسرائيلية ضد المدنيين لا تتوقف، بل إنها مستمرة وبازدياد أمام أنظار العالم، في تحد صارخ من دولة محتلة وتحميها الولايات المتحدة الأمريكية، رغم قرارات الإدانة من محكمة العدل الدولية لإسرائيل على أنها تمارس حرب إبادة ضد الفلسطينيين.