بدر بن عبدالمحسن المقحم
منذ قيام إسرائيل عام 1948م وما سبقه من إرهاصات كانت بداياتها مؤتمر الحركة الصهيونية الذي أنعقد في مدينة بازل السويسرية عام 1897م مروراً بمقررات رئيس وزراء بريطانيا آنذاك/ هنري كامبل بنرمان 1907م ووعد بلفور عام 1917م الذي تلاه الانتداب البريطاني للأراضي الفلسطينية حتى عام 1948م ودور ذلك في تمهيد الطريق لقيام الدولة العبرية وبسط سلطتها على أكثر من 80 % من أرض فلسطين التاريخية بالإضافة لاحتلالها للضفة الغربية وقطاع غزة منذ عام 1967م، والمنطقة تعاني من عدم الاستقرار السياسي والأمني وبالذات في الداخل الفلسطيني المحتل، مع ما رافق هذا الحدث الكبير من تراجع حاد في معدلات التنمية والتسابق على التسلح واختلال موازين القوى في المنطقة، وقد أتت أحداث غزة الحالية والتي جاءت في أعقاب هجوم مباغت قامت به فصائل فلسطينية على المستوطنات المحيطة بغزة والمقدر عددها بخمسين مستوطنة يوم السبت 22 ربيع الأول 1445هجرية الموافق 7 أكتوبر2023م من أجل فك الحصار عن القطاع واستعاده بعض صور الحياة المحطمة أصلا بفعل الآلة الإسرائيلية التي أمعنت في قصفها البريري في قطاع غزة وبمختلف الأسلحة البرية والجوية والبحرية موقعة بذلك خسائر ضخمه في صفوف الفلسطينيين في هذا القطاع الذي يبلغ عدد سكانه (2.2) مليون نسمة ثم اجتياحها لاحقا لمناطق في الضفة الغربية مما تسبب في سقوط مئات الضحايا وألوف الجرحى وكم هائل من الدمار في الممتلكات والبنى التحتية جراء ذلك العدوان الذي لا زال ماثلاً للعيان حتى إعداد هذه المقالة، يضاف إلى ذلك رفض إسرائيل القاطع لكل دعوات السلام والمبادرات السلمية القائمة على قرارات الشرعية الدولية بخصوص القضية الفلسطينية التي لم يتبق من الأراضي التي أحتلتها إسرائيل عام 1967م سوى 14 % بسبب التوسع الاستيطاني اليهودي في الضفة الغربية وقطاع غزًة، بل وصل الأمر إلى تضمين خطاب رئيس الوزراء اليميني المتطرف/ نتنياهو مؤخراً بعبارات تنضح بالعنصرية والكراهية والعدائية ضد الفلسطينيين على وجه التحديد وكل ما هو عربي ومسلم بصفة عامة واستخدامه مصطلح (سيف داود والاستقلال الثاني!؟) لتأكيد عدوانيته وذلك أثناء إلقائه لهذا الخطاب مؤخراً في احتفالية مرور 76 عامًا على قيام الدولة العبرية في13 مايو 2024م، وكذلك تصريحاته البغيضة التي توالت منذ اندلاع أحداث غزة وحتى الوقت الراهن. وبالنظر إلى هذه الأحداث الدامية في الأراضي الفسطينية المحتلة يلاحظ بجلاء ما يلي:
- إن الشعب الفلسطيني لن يتنازل عن حقوقه المغتصبة من لدن الكيان الصهيوني مهما طال الزمان.
- سقوط نظرية الأمن الإسرائيلي ومعها أسطورة جيشه الذي لا يقهر.
- كثافة الحشد الدولي المؤيد لحقوق الفلسطينيين وحقهم في العيش وإقامة دولتهم على الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967م.
- تزايد المظاهرات الشعبية والطلابية في بعض الدول والعواصم العربية والإسلامية والأوروبية والأمريكية نصرة لأهالي قطاع غزة.
- ظهور إدارة الرئيس بايدن بمظهر المتحيز لحكومة اليمين المتطرف بقيادة/ نتنياهو، وهو ما ينسف كل المواقف الأمريكية السابقة تجاه القضية الفلسطينية وأنها مع السلام وحل الدولتين.
وفي ظل هذه الأزمة الطاحنة التي يعيشها المواطن الفلسطيني جراء هذا الحدث المأساوي الجسيم قامت المملكة كعادتها بدور تاريخي كبير يحسب لها تجاه أحداث غزة وكامتداد لمواقفها السابقة إزاء القضية الفلسطينية حيث دعت لمؤتمر قمة عربي اسلامي طارئ عقد في مدينة الرياض بتاريخ 27-4-1445 هجريه الموافق 11-11-2023م أسفر عنه عدة نتائج من بينها تشكيل وفد عربي إسلامي لزيارة بعض العواصم العالمية ومن بينها واشنطن وبكين ولندن من أجل دعوة الأطراف الدولية الفاعلة في الحفاظ على استقرار وأمن العالم، ممارسة مسؤوليتهم الحقيقية تجاه القرارات الصادرة بحق الشعب الفلسطيني وتنفيذها والداعية إلى سرعة اعطاء هذا الشعب كامل حريته وكرامته وحقه في إقامة دولته المنشودة وعاصمتها القدس الشريف على حدود الأراضي المحتلة عام 1967م، والتدخل الفوري لإيقاف آلة البطش الإسرائيلي ضد فئات الشعب الفلسطيني ووقف معاناته التي تجاوزت أكثر من سبعين عام، لكن وعلى الرغم من هذه الجهود المضنية في سبيل وقف النزيف الدم الفلسطيني إلا أن الصلف الإسرائيلي بعنجهيتها الصهيونية لا زالت تقتل وتدمر كل البشر والحجر والشجر على أرض فلسطين الحبيبة، وهو ما يدل على أن إسرائيل غير راغبة في السلام مع شعوب المنطقة وأنها تبحث عن كل أسباب الدخول في المزيد من الحروب ضد الفلسطينيين والدول العربية لاستنزاف مقدراتها، ومكافحة أي تنمية عربية حقيقية، والاستمرار في نشر سياسة الفوضى الخلاقة الخاصة بالإدارة الأمريكية التي بدأتها بإسقاط بغداد عام 2003م، وكأن هناك ثمة تناغم فكري وسياسي بين من أوجد تلك السياسة (أي الفوضى الخلاقة) ووكلائها في المنطقة، على أنني لا أعتقد أن هذا الأمر محصورا في حيز قطاع عزة فحسب الذي تقدر مساحته (365) كيلو مترا مربعا ولكن المضي قدما في الاستيلاء كل ما تبقى من أراضي فلسطين التاريخية وإشعال الحرائق خارجها كي تصل شرارته إلى أبعد بقعة عربية من الأراضي المحتلة لتأكل تلك الشرارات الأخضر واليابس وتجلب الدمار والاضطرابات للمنطقة كما حدث لبعض الأقطار العربية إبان فترات الربيع العربي، وعليه لابد من اليقظة العربية والإسلامية وشحذ الهمم لمواجهة هذا المخطط التدميري وذلك بتكاتف الجهود العالمين العربي والإسلامي ضد سياسات المحتل الإسرائيلي وبكل الوسائل الممكنة والقيام بحملة دولية على كل المستويات الدبلوماسية والإعلامية والثقافية والأكاديمية لتعرية هذالكيان في الساحة العالمية، وتكثيف الاتصالات مع أعضاء مجلس الأمن كي ينهضوا بمسؤولياتهم تجاه القضية الفلسطينية، وتأسيس لوبي قوي وفعال في عواصم القرار المهمة دوليا كي يمارس هذا اللوبي دور المؤثر في مراكز صنع القرار فيها، مع إتاحة الفرصة لكل مراكز الدراسات والأبحاث في الدول العربية والإسلامية لتنوير شعوب العالم بعدالة هذه القضية المركزية وحشد التأييد لها والتأكيد لكل من يهمه الأمر في المجتمع الدولي أن عدم تحقيق العدالة للفلسطينيين في قضيتهم التي هي القضية المركزية للجميع يعني أن الثمن سيكون باهظا بل المزيد من الخسائر البشرية والمادية وهو ما يقوض السلم والأمن ليس في المنطقة فحسب ولكن على الصعيد الدولي، ويذكي نيران الصرعات بين الشعوب التي يكون في الغالب جلُ ضحاياها من الأطفال والنساء وكبار السن الأبرياء.