سهوب بغدادي
الأطفال أحباب الله، كما يقال، وهم بهجة المنزل في ضحكاتهم وتحركاتهم، و»شقاوتهم» مما لا شك فيه أن التربية صعبة وليست بالأمر الهين، ولطالما سمعنا عبارات تتردد علينا كـ»جزاء الوالدين على الله» وذلك أمر صحيح، فالتربية ليست فقط بتوفير المأكل والمشرب والسكن والتعليم، بل هناك تداخلات أكثر تركيبا وتعقيدا من السابق ذكره، فعندما نتطرق للرعاية وأوجهها، فإن أول ما يتبادر إلى الأذهان الرعاية الجسدية بمفهومها التقليدي، إلا أن هناك رعاية نفسية ولا تقل أهمية عن الآنف ذكرها، كنت استغرب من عبارة ترددها والدتي -حفظها الله وأمدها بالصحة والعافية- «الطفل لا يكبر دون حب» فكنت أتساءل كطفلة كيف لا يكبر؟ هل يقصد بها حجما أم طولا؟ فكانت الإجابة تتمحور حور النشأة السليمة والخالية من العلل النفسية، فكم من شخص خدعنا بظاهره، وبث سمومه وعقده الدفينة على محيطه من أهل وأقرباء وزملاء عمل وأصدقاء، في حال تحققت الأخيرة، ولا يخفى على المطلع أن التربية ومتطلباتها أضحت تحديا في يومنا الحالي مع الثورة الرقمية وعصر السرعة، فأصبح الطفل يكبر قبل أوانه -يكبر عقليا- إذ يتعرض لسيل من الأفكار والبيانات والمحتوى الجيد وخلافه، ويتوجب على المربي أن يراقب المحتوى ولا يمنع الأداة والوسيلة التقنية التي تتأتى منها هذه الأفكار، وهنا تكمن الصعوبة، فإنها بمنزلة هاجس يومي في كل دقيقة وساعة، ولن يتمكن الشخص من فرض المنع القطعي باعتبار أن الطفل سيقع في براثن الأمية الرقمية ولن يلح بركب جيله، كما تتنامى مخاوف المربين من تأخرهم التقني، فعلى سبيل المثال هناك تطبيقات وتقليعات مستحدثة كل يوم، لا نعي وجودها سوى من اليافعين، على غرار المسن الذي يعطي هاتفه النقال لحفيده كي «يتصل له» على فلان، فهل المطلوب من المربي أن يصبح ملما بشكل أوسع بالتقنية ودهاليزها؟ أم أن يقيد الاستخدام التقني للأبناء؟ إنها معادلة صعبة الموازنة، وإن تباينت الآراء في الموضوع، ستبقى التقنية سيدة الموقف وتفرض ذاتها في مواطن أخرى، كالدراسة والتعليم الإلكتروني على سبيل المثال لا الحصر، إن المقام لا يسعني ولا المقال يسعفني بأن أقدم حلولا مفصلية للمسألة سوى أن يتم تفعيل مبدأ الفلتر الذاتي أو الرقابة الذاتية، وتنميتها لدى الأبناء منذ الصغر.
«جذور التربية مرة ولكن ثمارها حلوة» (أرسطو).