د.محمد بن عبدالرحمن البشر
أيام عشر جليلة عظيمة، وموسم عبادة لمن تتوق نفسه إلى الاستثمار لما بعد الموت والاندثار، أيام ليس كمثلها أيام في السنة عند بعض الفقهاء، فهم يرون أن الله جلَّ جلاله قد حلف بها في قوله {وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ}، فهم يرون أن المقصود بالليالي العشر التي أقسم الله بها هي ليالي أيام ذي الحجة، وقال تعالى: {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} ويقول بن عباس أن المقصود بها عشر ذي الحجة، وهو أيضاً يعتقد أنها المقصودة في الآية التي سبقتها، وهذا رأي لابن عباس واجتهاد منه، وهو الحبر، وترجمان القرآن كما يراه بعض العلماء، لكن ليس هناك نص يؤكد أن ما ورد في الآيتين يشيران إلى العشر الأولى من ذي الحجة.
لقد ورد حديث من أكثر من طريق يبين فضلها، فعن عبدالله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر، قالوا ولا الجهاد يا رسول الله، قال ولا الجهاد، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء)، وكلمة يعني أنها أيام العشر، قول لابن عباس، وهذا الحديث قد ورد في معناه في روايات أخرى، وهذا يدل على أهمية هذه الأيام وفضلها، ولفضلها يستحب للمسلم أن يغتنمها فيكثر من الدعاء والتكبير والتهليل وذكر الله والصلاة على رسول الله، وعمل جميع أعمال البر من صلة رحم وصدقة وعفو وتسامح، وغيرها.
أيام عشر ذي الحجة في نظري تنقسم إلى ثلاثة أقسام، الثمانية الأولى، وهي اجتهاد في العمل الصالح، وليس هناك نص في سنة صيامها، لكن هناك من يرى أن الصيام من العمل الصالح، لهذا فهو يقوم بصيامها وينصح بذلك، والقسم الثاني هو يوم عرفه، وهو بلا شك يوم عظيم، وقد ورد نص واضح في حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم (صيام يوم عرفه احتسب عند الله أنه يكفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده). وفيه من الأجر الشيء الكثير، وإن أمكن للمسلم التفرّغ فيه للعبادة كان أفضل، والعمل من العبادة أيضاً، المهم ألا يضيع وقت هذا اليوم دون فائدة، القسم الثالث هو يوم العيد، وفيه جمع بين الإكثار من العبادات لفضله، وكذلك السعادة والفرح به كعيد مع ما يصاحب ذلك من مرح وسرور وسماع في إطار ما حدده الشرع وهكذا فإن هذه العشر المباركة جمعت تكبيراً وتهليلاً وصوماً ومرحاً وسروراً، إضافة إلى الأضحية لمن استطاع ذلك.
استغلال المواسم شأن عظيم، لمن وفق لذلك، وهي تمر في كل عام، فمن من الله عليه بالقدرة على تقديم ما في وسعه سواء بالعبادات العملية أو القولية، أو التصدق بالمال، أو معالجة ما لحق بالنفس من شوائب في العلاقات مع الأقارب أو الجيران أو الأصدقاء، وتدريب النفس للبعد عن الغيبة والنميمة، والحديث في أعراض الناس بما يسيء، ويبقى العفو والتسامح ميدان جميل من ميادين العلاقات بين الإنسان وربه وبينه وبين العباد، وفيه من اللذة لمن لديه قلب مفعم بالحب الشيء الكثير، ومن أقدره الله على ذلك فليفعل.