د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
لم أكن سأقف على مثل هذا لولا ما قرأت في ملحوظات ومآخذ كتبها أستاذنا القدير أ.د. فوزي حسن الشايب كتبها عن كتاب (تصحيح الفصيح لابن درستويه) نشرت في مجلة الدراسات اللغوية، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض، 1443ه-2022م. مج34، ع4.
قال «قوله: (فهذه الهـاء التي فيها بدل من تاء التأنيث). يقصد بذلك كلمة: (شفة). والعبارة على هذا النحو غير صحيحة، والصواب فيها هو العكس، أي: إن التاء التي في: (شفة) بدل من الهاء، التي هي لام الكلمة؛ فمن المعروف أن التاء يؤتى بها عوضًا من أصل محذوف، كفاء الكلمة المحذوفة، كما في صِفة وعِدة وزِنة، أو لامها المحذوفة، كما في: عِضة، ولِثَة، وشَفَة... وأغلب الظن أن هذا خطأ طباعي، لم يتنبه عليه المحقق، وابن درستويه بريء من عهدته». (ص342).
لم يكن التوفيق حليف أستاذنا في توقفه؛ فابن درستويه يقصد أن ما يسمع هاءًا عند الوقف هو تاء التأنيث وليس لام الكلمة؛ إذ اللام محذوفة، وهذا واضح كل الوضوح من نص ابن درستويه الذي تحدث فيه عن هاءين هاء محذوفة وأخرى باقية، قال «وأما قوله: وجمع الشَّفَة: شِفَاه؛ فلأن الشفة اسم ناقص قد حذفت منه لام الفعل وهي هاء، فهذه الهاء التي فيها بدل من تاء التأنيث. وأصلها: شَفَهة، فإذا صُغّرت أو جُمعت عادت فيها الهاء المحذوفة، فظهرت في اللفظ، مثل قولك: شُفَيهة وشفاه»(1).
وأمر تسمية تاء التأنيث هاءًا معروف عند النحويين، وأشار إليه أستاذنا في غير موضع من ملحوظاته، ومن استعمال هاء التأنيث قول السيرافي «وتُردّ لام الفعل، فمن ذلك قولهم في (دم): (دميّ) وفي (يد): (يديّة)؛ لأن أصله (دمي) و(يدي) وفي (شفة): (شفيهة)؛ لأن هاء التأنيث لا يعتدّ بها وأصله (شفهة) والهاء لام الفعل»(2). وهذا الحريري يسميهما هاءين، قال «فَهِيَ تجْرِي مجْرى شفة الَّتِي أَصْلهَا شفهة، وَقد حذفت إِحْدَى الهاءين مِنْهَا، بِدَلِيل تصغيرها على شفيهة»(3). ويبين أبو حيان مزية تسميتها هاء تأنيث في قوله «وقوله: هاء التأنيث خرج بذلك أخت وبنت لأنها تاء التأنيث لا هاء التأنيث» (4).
والذي أشكل على أستاذنا عدّ النحويين تاء التأنيث عوضًا عن الهاء أو بدلًا، وليس قولهم هذا بمعنى الإبدال الصرفي كإبدال التاء في (اتّصل) أو الطاء في (اطّرد)، والمقصود بالتعويض الإغناء عنها في عدّة الأحرف، وقد أحسن ابن يعيش في التعبير عن هذا في قوله «والأصل: (شَفْهَةٌ) اللامُ هاء، والهاء مشبَّهةٌ بحرف العلّة لخَفائها وضَعْفها بتطرُّفها. وهم كثيرًا ما يحذفون حروف العلّة إذا وقعت طرفًا، وبعدها تاء التأنيث، نحو: (ثُبَةٍ)، و(بُرَةٍ)، و(قُلَةٍ)، كأنّ تاء التأنيث قامت مقامَ المحذوف»(5). وتأمل نصه على أن تاء التأنيث كانت قبل حذف اللام، وقوله كأنها قامت مقام المحذوف. ويزيد ابن يعيش بيانه بيانًا بقوله إن تاء التأنيث لا يعتد بها كما قال السيرافي، ولذا رُدّت الهاء، لام الكلمة، عند تصغيرها، قال «فإن قيل: أنتم إنما رددتم المحذوف ضرورةَ تكميل بناء التصغير، وهو(فُعَيْلٌ)، وتاءُ التأنيث يتِمّ بها الاسمُ، ويصير على ثلاثة أحرف، فهلّا اجتُزئ بالتاء مُكمّلة، ولم يُرَدّ المحذوف؟ فالجواب أنّ تاء التأنيث لا يُعْتَدّ بها؛ لأنّها تُعَدّ منفصلةً بمنزلةِ اسم ضُمّ إلى اسم»(6).
وننتهي إلى أن التاء في(شفة) هي علامة التأنيث سميتها تاءًا أو هاءًا، وهي باقية بعد حذف اللام وليست هي لام الكلمة، ولا تثريب على ابن درستويه ولا على محقق كتابه.
**__**__**__**__**__**
(1) تصحيح الفصيح لابن درستويه، ص 433.
(2) شرح كتاب سيبويه للسيرافي، 4/ 193.
(3) درة الغواص في أوهام الخواص للحريري، ص: 192.
(4)التذييل والتكميل في شرح كتاب التسهيل لأبي حيان، 1/ 323.
(5) شرح المفصل لابن يعيش، 3/ 341.
(5) شرح المفصل لابن يعيش، 3/ 402-403.