سهم بن ضاوي الدعجاني
في إحدى أمسيات إثنينية الأستاذ عثمان الصالح -رحمه الله- بقصره بحي المؤتمرات بمدينة الرياض و تحديدا مساء يوم الاثنين 2/12/1418هـ أي قبل أكثر من ربع قرن، عندما كان ضيفها الشاعر أحمد الصالح «مسافر»، كان الحديث للشيخ عبدالله بن ادريس -رحمه الله- حيث سمعته يصف الشاعر أحمد الصالح رحمه الله قائلا: «إبداعاته كثيرة، وهو شاعر يملك الكلمة و يتميز بالصدق الفني في تصوير تجربته الوجدانية، إنه شاعر متكامل الشاعرية، و مطبوع ترفع عن قصيدة النثر والابهام والطلسمة. الشاعر «مسافر» عاش الشعر التفعيلي منذ البداية، وهناك شعراء سبقوا «أحمد» في قول شعر التفعيلة منهم من جمع بين الحداثة و الأصالة، ومنهم المجيد و الدعي، لكن «مسافر» بقي يجمع بينهما بصورة ماتعة، و الرموز التي استعملها في شعره تنطلق من البيئة الإسلامية.
وعندما سئل الشيخ عبد الله بن بن ادريس -رحمه الله- في حوار أجرته معه «المجلة العربية» في عددها الصادر في ربيع الآخر 1423هـ (قبل 22 سنة) كيف استطعت ان ترضي تياري الأصالة والحداثة في مجتمعنا الأدبي المحلي؟ فأجاب: «استطعت ذلك بالعقل المفكر.. وبالفكر العاقل المعتدل، والانفتاح الواسع على آفاق ما تؤديه المعارف الإنسانية المحكومة بسماحة ثقافة الإسلام وعالميتها.. وعدم الانكماش والتقوقع عن كل جديد ومفيد اذا لم يكن متعارضا مع العقيدة والشريعة الإسلامية التي هي الفيصل بين الحق والباطل، فالأصالة تعني تراثنا وقيمنا، وأما الحداثة فهي ذات مفهومين: مفهوم التجديد في الأسلوب والصياغة والرؤى المتحركة لدفع الحياة السوية للأمام فهذا مقبول بل هو مطلوب، اما المفهوم الثاني وهو المرفوض، فهو ما يعني العبث بالقيم والثوابت والتجاوز فيها او التجافي عن بعضها فهذا مردود وغير مقبول، ولذلك تجدني بهذا الوصف أصالح منفتحا .. حداثيا معتدلا، وهذا ما جعلني أرضي التيارين معاً بصرف النظر عن أصحاب الأغراض الشخصية، والذين من حقهم الاختلاف مع من شاءوا، ولكن عليهم ان يكونوا موضوعيين وصادقين في موضوعات الاختلاف».
•و أما فلسفته في رئاسة تحرير «مجلة الدعوة»، فإنه يختصرها في قوله: « .. أردنا بذلك أن يفهم الجميع أن الإسلام لا يتعارض مع التقدم والتطور العلمي والعملي. بل هو يحض على ذلك بنص القرآن والسنة النبوية، كما يذكر ابن إدريس -رحمه الله- موقفا طريفا بعد أسابيع من صدور مجلة «الدعوة»، عندما اجتمع معالي الشيخ جميل الحجيلان أول وزير للإعلام في المملكة برؤساء التحرير، و رحب بهم جميعا ثم رحب بالدعوة ممثلة في رئيس تحريرها الحاضر، بتحية طيبة خاصة بحكم أن مجلة الدعوة هي آخر ما صدر من المؤسسات الصحفية و أثنى الحجيلان على افتتاحياتها ثناءً عاطرا، و يبدو أن هذا الثناء استفز أحد رؤساء التحرير فرد على الوزير قائلا: « أعطوني الحرية التي منحتموها للزميل عبدالله ثم لوموني إذا لم تكن بالمستوى المطلوب « فرد عليه الوزير قائلا: «لا نحن ولا غيرنا أعطى ابن ادريس حرية خاصة به، نعم، كان يكتب بجرأة، ولكنها جرأة حكيمة وهذا الأسلوب متاح للجميع»
• ولقد كتبت في صحيفة الجزيرة قبل (18 عاما) مقالا بعنوان..
«صراحة ابن إدريس في وداع الشنطي» قلت فيه:
(كان رائعا في «أزمنته» استاذنا الكبير الشيخ عبد الله بن إدريس الذي يستحق أن يطلق عليه عمدة كتاب الجزيرة، عندما أرسل تحيته النقية الى الناقد الدكتور محمد صالح الشنطي من خلال زاويته في هذه الصحيفة).
ثم ختمت مقالي:
«أشاطر عمدتنا ابن ادريس «التحية» و «التقدير» للناقد الذي غادرنا بجسده وسيبقى «حرفه» غير المؤدلج، ليضيف لبنة جميلة الى جسدنا الأدبي والفكري، وطلب آخر من أستاذنا ابن ادريس أن يستمر في «ضخ» هذا «الشلال» من ذكرياته الماتعة التي جعلت منه -بحق- شاهد عصر، ثم كتب الشيخ عبد الله بن ادريس -رحمه الله- في زاويته «الأزمنة» تعليقا على كلامي السابق تحت عنوان «الأخ سهم. شكراً» حيث قال:
«قرأت ما كتبه الأستاذ سهم بن ضاوي الدعجاني في هذه الجريدة يوم الجمعة 29/8/1427 هـ ويثني فيه على ما كتبته هنا يوم 21 رجب 1427 هـ عن الدكتور محمد صالح الشنطي الذي قلت عنه أنه خدم الأدب العربي السعودي، خدمة جليلة يستحق عليها الثناء والتقدير.. وقد نال منها ما يستحقه أو بعض ما يستحقه.
وما قلته وثنّى عليه الأخ «سهم» جعله الله سهماً رابحاً.. هو بعض الوفاء لمن وفى.. لكن مقال الأستاذ سهم الدعجاني زاد في إطرائه لي (حبتين) بحسن نية.. فجزاه الله عني خيرا
أما قوله (وطلب آخر من استاذنا ابن ادريس ان يستمر في ضخ هذا (الشلال) من ذكرياته الماتعة التي جعلت منه - بحق- شاهد عصر) فأقول إنني -بإذن الله- مستمر في هذا الطريق، بقدر قدراتي، وإمكاناتي التي تتأرجح بين الصحة والسقم، والقوة الذهنية والجسدية، والضعف.
ان الثمانين -وبلغتها- قد أحوجت سمعي الى ترجمان».
وهنا تذكرت ما كتبه الصديق الدكتور زياد بن عبد الله الدريس أمين عام مركز عبد الله بن ادريس الثقافي، وسادن تراث وفكر الشيخ عبد الله بن ادريس -رحمه الله-، حيث كتب عنه في كتابه «حكايات رجال»: «عبد الله بن إدريس كائن صحراوي بوجدان وأحاسيس بحرية. ولأنه لا يخفى على هواة السوسيولوجيا الفروقات بين المزاج الصحراوي والمزاج البحري، والخطاب الصحراوي والخطاب البحري، والوجدان الصحراوي والوجدان البحري، فإنني أملك الحق بالزعم – بحكم خبرتي الشخصية في تعامل ابن إدريس مع أبنائه و أسرته و أصدقائه و جيرانه، وبحكم معرفتي بمواطن ومواقيت دموع ابن إدريس - أن أقول إن ابن إدريس يملك جسدا صحراويا ليس فيه زعانف أو خياشيم تمكنه من السباحة لكنه يملك قلبا بحريا رطبا نديا لا يعرف الجفاف، ولذا فلا عجب أن تكون دموع ابن إدريس وافرة، فهي لا تخرج من جسده الصحراوي، بل من وجدانه البحري.»
ختاما:
يتضح لمن درس تراث الشيخ عبد الله بن ادريس -رحمه الله- أنه ليس شاعرا فحسب ولا كاتبا فقط ولا رئيس تحرير له رؤيته الصحفية، بل هو « مفكر « له منهجه ورؤيته التي جعلت منه رمزا وطنيا في مسيرتنا الثقافية، يتصف بالاعتدال والتناغم مع الجديد في عصره.