عبدالله العولقي
نشأ الدكتور زويل منذ صغره محباً للعلم شغوفاً بالمعامل الكيمائية وتجاربها المثيرة ، فعندما كان في المرحلة الابتدائية كتب لافتة على غرفته الخاصة وعلقها على باب غرفته مكتوب فيها ( الدكتور أحمد ) ، وكانت أسرته من حينها لا تناديه إلا بالدكتور أحمد !!، فقد كان يقوم بإجراء التجارب الكيميائية البسيطة في معمله الصغير داخل غرفته وسط مخاوف شديدة من والديه من أن يندلع حريقاً في المنزل ، ولكنهما في ذات الوقت لم يألوا جهداً في تشجيعه ودفعه للمزيد من التعلم والمعرفة ، كما كان الدكتور زويل على اقتناع تام بأن السبيل لمواصلة التقدم والنجاح هو أن يتعلم الإنسان من العباقرة وأن يقتفي أثرهم ويحذو حذوهم ، ولذا كان شديد التعلق بسير النابغين من قبله فكان شديد اللهفة لمعرفة سيرهم وتراجمهم وأخبارهم وحياتهم وأدق التفاصيل التي يعيشونها وعن اللحظات الخارقة التي اخترعوا فيها مخترعاتهم أو اكتشفوا فيها مكتشفاتهم .
ولد الدكتور زويل في مدينة دمنهور بمصر في عام 1946م وتعلم تعليمه الابتدائي بها ثم انتقل مع أسرته إلى مدينة دسوق مقر عمل والده حيث أكمل تعليمه حتى المرحلة الثانوية ثم التحق بكلية العلوم جامعة الإسكندرية عام 1963م وحصل منها على بكالوريوس العلوم – قسم الكيمياء عام 1967م بتقدير امتياز مع مرتبة الشرف الأولى ثم استطاع الحصول على شهادة الماجستير من نفس الجامعة ، وبعدها هاجر الدكتور زويل بعدها إلى الولايات المتحدة الأمريكية حيث استطاع الحصول على شهادة الدكتوراه عام 1974م من جامعة بنسلفانيا ، ثم انتقل بعدها إلى جامعة بيركلي بولاية كالفورنيا ومنها إلى جامعة كالتك العريقة كمساعد أستاذ للفيزياء الكيميائية وكان في ذلك الوقت في سن الثلاثين من عمره !! ، يقول الدكتور زويل عن جامعة كالتك : لقد ساقتني الأقدار إلى جامعة كالتك وأبعدتني عن أي مكان آخر لتضعني في المكان المناسب في الوقت المناسب .
في عام 1982م نجح الدكتور زويل في تولي منصب أستاذاً للكيمياء ، وفي عام 1990م تم تكريمه بالحصول على منصب الأستاذ الأول للكيمياء في منهج لينوس بولينج ، وفي عام 1999م تم ترشيح الدكتور زويل لجائزة نوبل في الكيمياء وبذلك يكون أول عربي مسلم يفوز بأعلى وسام علمي في العالم للعلوم ، وتعتبر هذه المرة الثالثة التي تتوجه فيها جائزة نوبل إلى مصر من أصل أربع جوائز حتى الآن حيث سبق وأن حصل عليها الرئيس الراحل أنور السادات لجهوده في السلام عام 1979م ثم فاز بها الأديب الراحل نجيب محفوظ في الأدب عام 1988م ثم الدكتور أحمد زويل في الكيمياء عام 1999م وأخيراً الدكتور محمد البرادعي لجهوده في السلام عام 2005م .
ومن أبرز الجوائز التي حصل عليها الدكتور زويل جائزة ( ماكس بلانك ) أرفع جوائز العلم الألمانية القيمة ، كما حصل على جائزة ( ويش ) وجائزة بنيامين فرانكلين الأمريكية والتي تعتبر بوابة نوبل كما هو معروف ، وهي جائزة عالمية مرموقة ولا تقل عن نوبل في الأهمية وقد سبق أن حصل عليها البروفيسور الشهير ألبرت آينشتاين ومدام كوري مكتشفة الراديوم والأخوان رايت ، وقد تسلمها زويل في مدينة هيوستن الأمريكية بحضور الرئيسان الأمريكيان السابقان كارتر و فورد بالإضافة إلى أكثر من ألف مدعو من كبار الشخصيات العالمية .
وقد طرز الدكتور زويل سيرته الذاتية بمجموعة كبيرة من الجوائز والتكريمات التي نالها ، ولعل من أبرزها جائزة الملك فيصل العالمية في العلوم والفيزياء عام 1989م ، وجائزة باك وتيني من نيو يورك وجائزة وزارة الطاقة الأمريكية السنوية في الكيمياء ، وقلادة النيل العظمى وهي أرفع وسام في مصر بالإضافة إلى جائزة كارس من جامعة زيورخ في الكيمياء والطبيعة ، وهي أكبر جائزة علمية في سويسرا ،، ومن الجدير بالذكر حول تكريم زويل أن الرئيس الأمركي في تسعينيات القرن الماضي باراك أوباما اختاره ضمن مجلسه الاستشاري للعلوم والتكنولوجيا ، كما اختارته جامعة الملك عبدالله بن عبد العزيز للعلوم والتقنية في المملكة العربية السعودية حين تأسيسها عضواً في المجلس الاستشاري الأعلى للجامعة نظراً للقيمة العلمية التي يتميز بها الدكتور زويل .
ويحمل الدكتور زويل درجات فخرية في العلوم والفنون والفلسفة والقانون والطب والآداب من جامعات ومعاهد في دول عديدة مثل الولايات المتحدة الأمريكية وإنجلترا وسويسرا ومصر وبلجيكا وأستراليا وكندا والهند وايطاليا واسكوتلاندا وكوريا والسويد وفرنسا والصين والمكسيك وايرلندا واليابان ولبنان والإرجنتين ،، كما أنه عضو فاعل في الأكاديمية الوطنية الأمريكية للعلوم ، والجمعية الفلسفية الأمريكية ، والأكاديمية الأمريكية للإنجازات ، والأكاديمية البابوية للعلوم والأكاديمية الأوروبية للفنون والعلوم والإنسانيات ، والجمعية الملكية في لندن ، والأكاديمية الروسية للعلوم والكلية الملكية السويدية للعلوم وأكاديمية العلوم في ماليزيا والأكاديمية الفرنسية للعلوم ، وعلاوة على ذلك فهو عضو في مجالس إدارة ومؤسسات وجامعات عالمية وأمريكية ، كما أنه قد شغل كرسي الشرف في جامعة الأمم المتحدة ، واختير في عام 1988م الشخصية رقم 18 الأكثر تأثيراً في الولايات المتحدة.
وقد زاد اهتمام موطنه مصر بالدكتور زويل وتكريمه له في عقد التسعينات من القرن الماضي عندما كرمه الرئيس مبارك بمنحه وسام العلم في عيد العلم ، كما أصدرت هيئة البريد طابعين باسمه وصورته أحدهما فئة العشرين قرشاً والثاني فئة الجنية، كما منحته جامعة الإسكندرية الدكتوراه الفخرية كما تم إطلاق اسمه على صالون الأوبرا ، وفي مسقط رأسه أقيم له احتفالاً غير مسبوق عقب حصوله على جائزة بنيامين فرانكلين وذلك في ثلاث محافظات هي الإسكندرية والبحيرة وكفر الشيخ ، كما أن محافظة البحيرة أطلقت اسم العالم أحمد زويل على أحد شوارع دمنهور.
وقد صرح الدكتور زويل حينها في حديث خاص لجريدة الأهرام ( بأن قيمة الجائزة تكمن في قيمتها العلمية وليست المادية ، وتمنى بأن تكون تلك الجائزة بمثابة درس لكل الشباب المصريين والعرب بأن النجاح يمكن تحقيقه من خلال العمل الجاد والتفاني في العمل، وجائزة نوبل تعتبر مرآة توضح لنا مدى اهتمام العالم بالعلوم والتكنولوجيا ) ، وقد كتب الدكتور زويل سيرته الذاتية في كتاب أسماه (عصر العلم) نشر عام 2005م عن دار الشروق المصرية وهو من أمتع الكتب التي قرأتها في حياتي ، قرأته عدة مرات، وفي كل مرة أعود لقراءته بشغف نظراً لقيمة الكتاب العلمية والثقافية ، وقد كتب مقدمة الكتاب الأديب الراحل نجيب محفوظ وحرره الصحفي المعروف محمد المسلماني ، وتم طباعة الكتاب أكثر من ثلاثين طبعة حتى الآن ، ومن الجدير بالذكر القول أن الطبعة الأولى قد نفدت من الأسواق والمكتبات بعد ساعتين من إصدارها.
عاش الدكتور زويل في مدينة سان مارينو بولاية كالفورنيا ، وقد عمل كما هو معروف أستاذ كرسي لينوس باولينج في الكيمياء الفيزيائية وأستاذاً للفيزياء في جامعة كالتك.
ما يعجبك في شخصية الدكتور زويل سوى مكانته العلمية المرموقة تواضعه الجم وأخلاقه الرفيعة ، ولباقة تصرفه وذوقه الرفيع ، وأصالته الشرقية ، لا يتحدث في أي لقاء تلفزيوني أو صحفي إلا ويتحدث عن بلده مصر ويتكلم عن أمته العربية وتلمح من حديثه آلام الأسى والحزن عندما يرى الواقع العلمي المتأخر للجامعات العربية في البحوث العلمية والأكاديمية ، وقد كان يقول دائماً أنه مذ وطأت قدماه الولايات المتحدة الأمريكية وقلبه معلق ببلده مصر ، وأنه مهموم بواقعها العلمي ومستقبلها الثقافي ، وقد توفي الدكتور زويل في عام 2016م بعد حياة حافلة بالإنجازات العلمية ، وتعد مؤلفاته العلمية ومحاضراته من المراجع المهمة في تاريخ الكيمياء الحديثة.
وفي الختام.. قصة أحمد زويل مع علم الكيمياء حكاية محفزة من العزيمة والإصرار والتحدي ، ومن هنا كان عنوان المقال .. أحمد زويل وكيمياء التحدي.