شروق سعد العبدان
تمضي الأيام بالأيام.. تمحو بعضها بعضاً
ولو أنها لم تكن على هذا النهج لما كُنا على ما نحن عليه من توازن..
فهناك أمور لم يُخلق لها شيء ليمحوها غير الزمن.
فطالما سمعنا تنسيك الأيام.. وتداويه الأيام ويذهب مع الأيام..
هو في الحقيقة لا يذهب ولا يُشفى ولا يُنسى، لكن هذه هي طريقة تصالحه وصلاحه.
وعند أول لمسة له.. سيأتي بحجم الوجع ذاته، والذكرى نفسها وكأن الأيام لم تفعل شيئاً..
لم أنوِ لقائك يوماً.. ولم أضع أفكاراً لمن سيكون سيد أيامي.
هكذا جئت مع الدنيا دون أن أنتبه لك..
حتى أنني لم أتوضب؛ لم أفتح ستائر نفسي لتدخل شمسك، ولم تُشرع نوافذي حتى يملأ المكان هواءك، ولم أسرح في ذاك الوقت شعري؛ لم أكن أعرف كيف كنت تحبه..
إن كان منسدلاً على كتفي..
أم قصيراً يتنفس معه عُنقي..
ولم يكن عندي أدنى فكرة إن كان ما أنا عليه يستهويك، أم أنك تجول بتخيلاتك في جهة أخرى مختلفة تماماً عن ما أنا عليه..
كنت ذا نظرة حائرة أخذت مني عمراً حتى أفهمها، وذا صوت هادئ يملؤه الضجيج الذي لا يُسمع.
ورغم كل هذا وذاك كنت أنا في قمة توهجي بك؛ كأنك أضأت مصابيح العتمة في طريقي.
علمتني أشياء كنت لا أعير لها اهتماماً..
أصبحت أرفع طرف ثوبي عند عبور الماء بعدما كان لا يهمني أن أبتل به..
وأن أقف في طريق المارة حتى يمروا بعدما كان اصطدامهم لا يؤلمني..
كيف يعتدل ظهري على كرسي القهوة وكيف تؤخذ قطعة الشوكلاة دون أن تتسخ ملابسي.
لقد علمتني أن أكون مهتمة دون أن تقول شيئاً.
كيف للإنسان أن يتكون من جديد بعد أن بلغ أشده ؟! من الممكن أن تكون الحياة بهتاناً.
وأن تكون الأيام خدعة.
وأن يحسب العمر الذي مضى كأنه يُعدك لما هو آت.
طعم الشعور سينسيك مرارة الشقاء.
سيسحب منك العمر ويعيده لك بلون تحبه.
الشعور أهم من الحضور..
الشعور يكون معك حتى وأنتم بينكما أيام وظروف؛ حتى وإن وجدت مسافات لا تقاس وقارات لا تحسب، وليالي طويلة..
شعورك به يجعله أقرب من رمش عينك وراحة يدك على قلبك..
الحضور مرتبط بالتواجد لذا لا بقاء بحضور فقط.
أتعلم ما أعظم ما قد تنجزه في حياتك؟
أن يستوي في أعين الناس ضعفك وقوتك، انهزامك وانتصارك، بكاؤك وضحكك. لا أحد يعلم ماذا أنت عليه من حال..
وضعت لنفسك قوة داخلية مبهرة.
لا تسمح للآخرين الولوج لك دون علمك..
وهذا هو الإنجاز الذاتي.. الذي لا يجعلك فريسة مجالس الناس.. ومستودع نقاشاتهم ومضرب أمثلتهم في الخسارة..
ولهذا كله.. لن يصنع منك الحزن والاستسلام شخصاً متوازناً.. ولن تعيش الحياة دون حب يحبك، وقلب في قلبك.. وشعور هو منك ولك..
لن تكون سعيداً وداخل داخلك مفرغ.. وعينك لم يملأها أحد..
لم تعرف طعم الشوق ولا شكله وأنت لا تعرف ماذا يعني أن يشاكسك كفك للمس كفيه..
انظر لجيبك وتفقد.. إن كان ما قلت لم يحدث فهذا الجيبُ مفرغ..
ولا بهتان يطوي ضلع المرء مثل بهتان عمره الضائع في اللاشيء..