خالد محمد الدوس
ولد العالم الاجتماعي الأمريكي (دافيد ريسمان) في عام 1909 في فيلادلفيا وكان والده أستاذاً للطب في جامعة بنسلفانيا، وبعد أن أنهى تعليمه العام التحق بجامعة هارفارد ودرس في القانون، ثم أكمل تعليمه في الدراسات التاريخية والاقتصادية وهذه الدراسات غذت أعماله الاجتماعية اللاحقة حيث اهتم بعلم اجتماع التربية ودراسة الخصائص الاجتماعية في المجتمع الأمريكي، وله عديد من الكتب والمؤلفات ومن الأشهر التي اختارها الاتحاد الدولي لعلم الاجتماع وهو اتحاد معروف بحرفيته الأكاديمية كتاب (الحشد الوحيد) ضمن أفضل مائة كتاب في علم الاجتماع ضمن مجموعة من المؤلفات التي ضمت أشهر الكتب لعلماء الاجتماع والمنظرين. فقد تحدث كتابه (الحشد الوحيد) عن التغير الديمو غرافي كأساس للصراع الاجتماعي وبالتالي أسهم في التفسير الطبيعي لنظريات الصراع المعاصرة. في مسيرته الأكاديمية عمل في البداية أستاذاً للقانون في جامعة بفلو من عام 1937 - 1942 ثم انتقل للعمل في جامعة شيكاغو وعمل أستاذاً للعلوم الاجتماعية ثم العمل في جامعة هارفارد العريقة عام 1958، كان أبرز اهتماماته السوسيولوجية في علم اجتماع التربية، كما اهتم بالأسلوب الذي تحل به تدريجياً خاصية اجتماعية مختلفة تماماً محل خاصية كانت سائدة في المجتمع الأمريكي في القرن التاسع عشر. ومن ثم اهتمامه بدراسة التغير الاجتماعي في النمط السائد وهو من وجهة نظر ريسمان من الخصائص الاجتماعية لوصول إلى هذا الهدف تضمنت أساليب عمله تطبيق النمو الديموغرافي والاقتصادي في دراسة التغير الاجتماعي وأنماط البناء الاجتماعي وأنماط الالزام والتطابق الاجتماعي مستخدماً في ذلك الاستقراء التاريخي ومن هذا المنطلق نجد أن منهجه تضمن استخدام أطر فكرية من عمل الآخرين لدراسة مشكلة الصراع الاجتماعي والتغير الاجتماعي. ومن دراساته التربوية عن الشخصية الإنسانية حيث قسم أنماطها إلى ثلاثة أقسام:
1- النمط الموجه تقليدياً: هنا الشخصية تلتزم بالتقاليد والغايات المجتمعية ويحاول المجتمع في هذه الحالة ضبط الأفراد وحثهم على الامتثال كما هو سائد ثقافياً، والفرد هنا يقضي فرديته ويذوب داخل الجماعة ويلتزم بمعاييرها وضوابطها الاجتماعية.
2- النمط الموجه ذاتياً أو داخلياً: تشبه هذه الشخصية مفهوم الأنا العليا، بمعنى أن الإنسان يشكل بداخله قناعات وأحكاماً خاصة، ولا يهدف من خلالها إلى إرضاء الجماعة بقدر ما يهدف إلى إرضاء ذاته وقناعاته الشخصية، فهو يمكن أن يأخذ مواقف وآراء الجماعة كلها أو جزء منها شريطة ألا تخالف اعتقاداته.
3- النمط الموجه بالآخر: يمتاز هذا النمط -وبحسب ريسمان- بتنمية قدرات الفرد نحو توقعات الآخرين من معاصريه، حيث تستبدل الأهداف الثابتة نسبياً بأهداف مرحلية تتفق وسرعة التغيرات فيكسب الفرد من خلال تنشئته القدرة على التناغم مع من حوله وما يحيط به من ظروف، ويظهر هذا النمط في المجتمعات التي تسمح بالتغيرات السريعة التي تؤدي إلى إضعاف السلطة التقليدية وتحفيز كل ما هو جديد فيصبح بالتالي الذي يأتي بالجديد ومنافٍ لقيم المجتمع التقليدي شخص ناجح والاقتداء به من أهم أهداف صاحب الشخصية الموجه للآخر. وفي المقاربة التي قدمها دافيد ريسمان في كتابه (إعادة النظر في النزعة الفردية) حول الدور الذي تلعبه الوسائل التكنولوجية الحديثة والتقدم العلمي على البناء الأسري التركيز على الدور الذي تلعبه تلك الوسائل الحديثة في إظهار ملامح التغيير حيث تنبأ بانقطاع التواصل داخل الأسر نفسها بعزله الأفراد داخل نفس الأسرة ثم انعزال الأسر وتقوقعها على ذواتها ثم انعزال الأسر عن المجتمعات المحلية والمشاركة في الحياة عامة. اختير العالم ريسمان عضواً في الاكاديمية الامريكية للفنون والعلوم عام 1955 وعضواً في الجمعية الفلسفية الأمريكية عام 1974 توفي هذا العالم في 10 مايو 2002 في نيويورك عن عمر يناهز 92 سنة بعد أن ترك أعمالاً بارزة أسهم في وضع أساس ديموغرافي للصراع الاجتماعي في شكل ثلاثة أنماط من الإلزام الاجتماعي، ووضع دعائم قيام علم اجتماع التربية الذي أصبح فيما بعد أحد فروع علم الاجتماع العام.