خالد بن حمد المالك
في مظاهرة حاشدة وغير مسبوقة، سماها الإسرائيليون (مسيرة الأعلام بالقدس) ومناسبتها ذكرى احتلال إسرائيل للقدس، تجاوز بها العدو كل حدود الاستفزاز، خاصة وأن الجانب الرسمي شارك الجانب الشعبي في هذا التصرف المشين، الذي يؤكد على أن إسرائيل لا حدود لأطماعها، وأن ما يُقال من خيار الدولتين ليس وارداً في حسابات تل أبيب.
* *
وتدنيس المسجد الأقصى، والاعتداء على الفلسطينيين في القدس، وممارسة أعمال عدائية إرهابية الغرض منها تهجيرهم وتهويد القدس، وكلها تصب في خانة أن إسرائيل دولة خارج القانون، دولة إرهابية لا تضع اعتباراً للقوانين الدولية، ولا تقيم وزناً لقرارات الشرعية الدولية، بل ولا تكتفي باحتلالها للأراضي الفلسطينية، وإنما تعتدي على المواطنين، تقتلهم، تزج بهم في السجون وتهدم منازلهم، وتعتدي على محلات تجارتهم.
* *
ما جرى من مظاهرة حاشدة، شارك فيها وزراء وقيادات، وتمت بحماية الجيش والأمن الإسرائيليين، يتطلب إجماعاً إسلامياً في الموقف من جميع الدول الإسلامية، والتصرف على نحو لا يتكرر مثل هذا العمل الإرهابي، لأنه ينطلق من فكر صهيوني بالاستيلاء على القدس وتهويدها لتكون خارج أي تسوية لقيام دولة فلسطينية، وهو ما أكد عليه رئيس وزراء إسرائيل وآخرون في حكومته بأن القدس عاصمة أبدية لإسرائيل.
* *
والنوايا الإسرائيلية في تفعيل جعل القدس عاصمة أبدية لإسرائيل لا يتم سراً، فقد أعلن نتنياهو على وقع مظاهرة ذكرى احتلال القدس وبالتزامن معها، على أن قرارات كثيرة ومصيرية سوف تتوالى تخص القدس، وهو هنا يقصد تغيير هويتها، وطمس معالمها، الإسلامية، وجعلها في شكلها وشخصيتها تلبي الأطماع الإسرائيلية، خاصة وأن أمريكا تعترف بها عاصمة موحدة لإسرائيل، وتم نقل سفارتها إلى القدس للتأكيد على ذلك.
* *
وإسرائيل تعمل منذ زمن طويل وعلى مراحل لإكساب القدس الشرعية الإسرائيلية، كما فعلت وتفعل في الضفة الغربية، والآن في غزة، لأن أطماع العدو حدودها إسرائيل الكبرى، وربما أكثر، خاصة مع التزام أمريكا بالتفوق العسكري النوعي لإسرائيل، بدعمها بأحدث الأسلحة، وبكميات لا حدود لها، وتشجيعها على عدم الامتثال للقوانين الإنسانية الدولية في تعاملها مع الشعب الفلسطيني منذ الاحتلال وإلى الآن.
* *
وهذا ما يجعل حماس في حذر شديد في تعاطيها مع المفاوضات مع إسرائيل على صفقة لتبادل الأسرى، لأن موقف الولايات المتحدة الأمريكية يمكن وصفه بأنه موقف مريب، ويتناغم مع الموقف الإسرائيلي بكل نواياها السيئة المعلن منها، وما هو في حالة تحفظ في إعلانه، خاصة مع التناقض في مشروع الاتفاق بين ما قاله الرئيس الأمريكي، وما أنكرته إسرائيل، وما قالت عنه حماس بأن ما أعلنه بايدن يخالف النسخة التي استلمتها من الوسطاء.
* *
وفي كل الأحوال فالحرب تبدو كما لو أنها في بدايتها في ظل التصعيد العسكري الإسرائيلي في غزة والضفة، والتصعيد السياسي الأمريكي لصالح إسرائيل، ومع هذه المظاهرة الاستفزازية في القدس والحرب في غزة ليس أمام الفلسطينيين من خيار إلا مواصلة التصدي للعدوان، على ما في ذلك من تضحيات بشرية هائلة وكبيرة.