د. تنيضب الفايدي
المسجد الحرام هو المسجد الذي فيه الكعبة المشرفة، وفيه أول بيت وضع للناس على وجه الأرض ليعبدوا الله مخلصين له الدين، قال تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ} (آل عمران: 96). وهو قبلة المسلمين في الصلوات أينما كانوا في هذه الدنيا، وسمي بالحرام لحرمة القتال فيه، والمسجد الحرام هو أول المساجد الثلاثة التي تّشد إليها الرحال، قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا تشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا (المسجد النبوي)، والمسجد الأقصى» متفق عليه. وكان المسجد على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بلا جدار يحيط به ولا باب يغلق عليه، وبقي المسجد على حاله في خلافة أبي بكر الصديق، فأول من بناه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يقول الحموي في معجم البلدان (5/ 146): «المسجد الحرام الذي بمكة كان أول من بناه عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولم يكن له في زمن النبي- صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر جدار يحيط به، وذاك أن الناس ضيّقوا على الكعبة وألصقوا دورهم بها فقال عمر: إن الكعبة بيت الله لا بدّ للبيت من فناء، وإنكم دخلتم عليها ولم تدخل عليكم، فاشترى تلك الدور وهدمها وزادها فيه وهدم على قوم من جيران المسجد أبوا أن يبيعوا ووضع لهم الأثمان حتى أخذوها بعدُ، واتخذ للمسجد جداراً دون القامة فكانت المصابيح توضع عليه، ثم كان عثمان فاشترى دوراً أخر وأغلى في ثمنها وأخذ منازل أقوام أبوا أن يبيعوها ووضع لهم الأثمان فضجوا عليه عند البيت، فقال: إنما جرأكم علي حلمي عنكم وليني بكم، لقد فعل بكم عمر مثل هذا فأقررتم ورضيتم، ثم أمر بهم إلى الحبس حتى كلمه فيهم عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص فخلى سبيلهم، ويقال إن عثمان رضي الله عنه أول من اتخذ الأروقة حين وسع المسجد وزاد في سعة المسجد». ثم توالت عليه التوسعات عبر العصور الإسلامية، وفيما يلي ذكر لتلك التوسعات.
توسعات المسجد الحرام عبر التاريخ
التوسعة الأولى
إن أول توسعة للمسجد الحرام تمت في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه في سنة سبع عشرة للهجرة (كما ذكرت سابقاً)، وذلك بعد أن استقرت الأمور وفتحت الفتوحات وانضمت بلاد كثيرة للدولة الإسلامية، فازداد عدد المسلمين وضاق المسجد الحرام بالناس، فقرر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه توسعته وعمارته، ولهذا الغرض اشترى العمائر المحدقة بالكعبة المشرفة فهدمها وأدخلها في ساحة الحرم، كما أحاط المسجد الحرام بعد توسيع رقعته وتكبير مساحته بحائط دون قامة الرجل، ووضع على هذه الجدار مصابيح للإضاءة ليلاً لأهل المسجد الحرام ولأهل المطاف. فهو أول من وضع المصابيح لأهل المطاف. آيات المسجد الحرام للسيد ضياء (ص11).
التوسعة الثانية
التوسعة الثانية في الحرم المكي كانت في زمن عثمان رضي الله عنه في سنة ست وعشرين للهجرة، حينما ازدادت عدد المسلمين، ورأى الازدحام في المسجد الحرام فقرر توسعته، حيث اشترى بعض العمائر المجاورة له، وأدخلها في الحرم المكي، ولم يرد صفة بناء العمارة الزيادة، لكن يرجح الظن بأنه على غرار المسجد النبوي الشريف الذي بناه عثمان رضي الله عنه بالحجارة المنقوشة والقصة، أما سقفه من خشب الساج المنقوش والمزخرف القوي.
مسك الكلام (ص266).
التوسعة الثالثة
تمت التوسعة الثالثة للحرم المكي في زمن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه سنة أربع وستين من الهجرة النبوية، وقد أعاد بناء الكعبة على قواعد إبراهيم عليه السلام كما وصفته عائشة رضي الله عنها، وزاد فيه زيادة عظيمة وشملت هذه الزيادة من الجانب الشرقي ومن الجانب الشامي ومن الجانب اليماني.
التوسعة الرابعة
تمت هذه الزيادة في سنة 75 هـ في خلافة عبد الملك بن مروان، بعد ما قضى على خلافة عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، وعدّل في ما كان في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
التوسعة الخامسة
تمت هذه التوسعة في خلافة الوليد بن عبد الملك سنة (89هـ) تسع وثمانين من الهجرة، حيث أدخل في المسجد الحرام توسعة كبيرة، جعل سقف أروقته من خشب الساج المنقوش بالذهب، وفرش أرضه كلها بالرخام، وجعل له طيقانا من جوانبه الأربعة، وزين وجوه الطيقان من أعلاها بالفسيفساء.
التوسعة السادسة
تمت هذه التوسعة في خلافة أبي جعفر المنصور سنة (137هـ) مائة وسبع وثلاثين للهجرة، حيث أمر بتجديد عمارة المسجد الحرام وتوسعته، حيث زاد في سعة المسجد من الجانب الشامي، وكذا من جانبه الغربي، وقد اشترى من الناس دورهم لهذه الزيادة، واستغرق العمل في عمارة هذه التوسعة نحواً من ثلاث سنوات. وهذه الزيادة كانت ضعف ما اشتملت عليه التوسعات السابقة.
التوسعة السابعة
تمت هذه التوسعة في عهد محمد المهدي سنة (160هـ) مائة وستين للهجرة، حيث عزم على الحج، وبعد وصوله إلى الديار المكية المقدسة قرر توسعة المسجد الحرام من الجانب اليماني ومن الجانب الغربي من الموضع الذي انتهى إليه والده، فاشترى الدور التي جاءت في حدود التوسعة، وقد بلغ عدد أعمدة المسجد الحرام في هذه التوسعة أربعا وثمانين وأربعمائة عمود، وبلغ عدد الأعمدة التي زينت بقواعد ذهبية ثلاثمائة وإحدى وعشرين عموداً، وكان بناؤها محكمة جداً، حتى بقيت من سنة 160هـ إلى سنة 979هـ شامخة صامدة قوية على مرّ العصور قرابة سبعمائة عام.