أ.د.عثمان بن صالح العامر
حين يتأمل المشاهد - أياً كان موقعه في خارطة الكون - مشهد الحجيج وهم بلباس واحد، وحال واحدة، مع اختلاف أجناسهم وتعدد أعراقهم وتباين ألوانهم ولغاتهم وأخلاقهم وأعمارهم، يستشعر الوحدة الإنسانية وعالمية الدين الإسلامي وعظم أحكامه؛ إذ الكل سواسية في هذا الموقف المهيب الذي لا يوجد على الأرض قاطبة مشهد يماثله أو يقترب منه.
إنّ هذه المعاني الجليلة يجب أن تتجاوز حدود المكان وتتخطى دائرة الزمان لنعيش بها العمر كله، ولتكون كما هي بمكة والمشاعر المقدسة في العالم قاطبة، فنحن المسلمين حملة مشعل السلام، ومنا رسول السلام، وفينا دستور السلام المتضمن قيماً يقوم عليها سلام العالم، وتتحقق بها سعادة البشرية وأمنها وأمانها مهما تقادم الزمان.
لقد أكد هذه القيم ونصّ عليها صراحة رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع المعروفة، وطبّقها سلوكاً في حياته، فما أحوجنا اليوم ونحن نرى التشظِّي في جسم الأمة والصراع بين أصحاب العقيدة الواحدة بل داخل البيت الواحد، إلى إعادة شريط الماضي والاستماع له جيداً في جميع بلاد المسلمين، منذ زمن إبراهيم وحتى وفاة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.
إنّ العالم اليوم يعيش أزمة قيم متولدة - على المستوى الشخصي - عن حب الذات والفردية، وظن البقاء في هذه الدنيا أمداً طويلاً، وهذه كلها قيم سلبية تتكسر في حال التفكر بالحاج وهو مجرد رقم نكرة بين وفود الرحمن الذين لا يعلم أحد أيهم أقرب إلى الله وأصدق نية وقلباً عند خالقه ومولاه.
لك أن تتصور أنّ كل حاج استشعر هذه المعاني وتذكر قيم الإسلام العظيمة ذات الصلة بفريضة الحج، فعاش بها ما بقي من عمره، كيف ستكون حالنا مع تجدد الأعوام وتوافد ضيوف الرحمن إلى مكة من كل بلد وفي كل عام.
ومن القيم التي يجب التنويه بها هنا وهي ذات صلة مباشرة بقيم الحج الداعية للسلام الطامحة لتحقق الأمن في الأرض الاعتراف بالفضل لأهل الفضل، إذ إنّ (من لا يشكر الناس لم يشكر الله)، فالشواهد والبراهين الحية التي عايشها الحاج منذ وصوله أرض المملكة العربية السعودية وحتى هذه اللحظة شاهد صدق، وبراهين حق، وأدلة ثبوت على أنّ حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز بذلت كل السبل، وسخّرت جميع الإمكانات، وجندت كافة القطاعات من أجلك أنت أيها الحاج، فمن أقل الواجبات التي يمليها علينا الدين وتفرضها المروءة والشيم المجتمعية أن نرفع أسمى آيات الشكر، وأجزل عبارات الثناء والتقدير لمن بذلوا الوقت والجهد والمال من أجلنا نحن الحجاج، فكانت هذه التسهيلات الضخمة والخدمات الجليلة التي نعمنا بها وما زلنا، هذا الشكر والثناء ليس فقط حين نكون في ظهرانيهم على أرض الحرمين الشريفين، ولكن عندما نعود لبلادنا ما بقينا على قيد الحياة، نعلِّمها الأجيال ونرويها قصة حية للأطفال، ليس لأنّ المملكة العربية السعودية بحاجة لذلك، ولكن لأنّ هذا من شكر الله عزّ وجلّ، ومن سمات المسلم الحق الذي يرجو ما عند الرب سبحانه. دمتم بخير، وتقبّل الله حجكم، عيدكم مبارك، وكل عام وأنتم بخير، والسلام.