عبدالله إبراهيم الكعيد
دعونا نتّفق على تعريف مفردة السياسة بأنها مُشتقة من فعل (ساسَ) وسَاس الأمور أي دبَّرها، أدارَها، قام بإصلاحها. من هذا التعريف سيسهل عليّ بعد ذلك الحكي عن الأحداث السياسيّة. لا أعني أحداثاً بعينها، ولكن بصفة عامة أي تلك التي تقع على كوكب الأرض.
شعرتُ مؤخراً وأنا الكاتب في الشأن العام لعدة عقود أن وسائل الإعلام والاتصال تحفل كثيراً بالحكي عن الساسة والسياسة وتفضّل مقالات التحليل السياسي عن تلك التي تُعنى بالإنسان، حقوقه، تطلعاته، إنسانيته التي ينتهكها كل طاغية متجبّر إلى آخر تلك الهموم.
كاتب هذه السطور يُدرك أن لكل حدث ما يستحقه من اهتمام من قبل الوسائل الاتصالية، حيث يُعتبر مادة أو محتوى تتغذى عليه تلك المنصات وتجذب أكبر عدد ممكن من المتابعين والردود وربما المناقشات الساخنة. لكن أن يتفرّغ أهل الفكر والرأي والإبداع للاهتمام بتلك الأحداث التي ربما تكون لعبة سياسية محبوكة ثم تنتهي ويحدث ما هو أكثر غرابة منها ولا معقولية!
من جانب آخر يلمس المُتابِع التلازم الوثيق ما بين الأحداث السياسيّة العالمية وبين وسائل الإعلام والاتصال ومحاولة مسيري تلك الوسائل تشكيل رؤية مرسومة تصل لأكبر عدد ممكن من الجماهير في محاولة لتحديد أنماط تفكيرها، أقصد توجيه الرأي العام حيال أحداث معينة إما مع أو ضد حسب توجهات تلك الوسائل أو المنصات رغم ادّعاء الحياد.
المأزق الحقيقي حين يراهن محلل سياسي أو كاتب مرموق على موقف معين ويجزم برؤيته ثم يحدث العكس تماماً فيصبح محل تندر في منصات السوشيال ميديا و(يهشتق) الأشقياء تلك الرؤية بسخرية، ليس هذا فحسب، بل يقوم البعض برصد أقوال ذلك المحلل السابقة واللاحقة وحين يجدون تناقضات في مواقفه -وهذا يحدث كثيراً في عالم السياسة - يتم التشنيع به فيصبح أضحوكة المنصّات.
هل يعني كلامي هذا التوقف عن تناول الأحداث السياسية من قبل الكُتّاب والمحللين؟
قطعاً لا. إنما الذي أهدف إليه أن يتصدى للكتابة في تلك القضايا المعقدة من هم الأقدر على قراءتها بشكل متعمق ولديهم الخلفية والتخصص بجانب اطلاع واسع على تاريخ منطقة بعينها بكل تفاصيل أحداثها السابقة. لكن أن يكتب أحدهم عن نزاعات دول أمريكا الجنوبية على سبيل المثال وهو يجهل تاريخ تلك البقعة النائية عنه ثم يكتب لاحقاً عن خطورة الموقف على خط التماس بين كوريا الشمالية وجارتها الجنوبية ولا ينسى توقعه بنتائج محادثات تبادل الأسرى بين حماس والكيان الصهيوني الغاشم.
قبل أن أضع نقطة آخر السطر أؤكّد على حق الجميع في التفكير والتعبير وإبداء الرأي، لكن ما أجمل أن يسبح الفرد في النهر الذي يخبر شدّة تياره ويجيد السباحة فيه وإلا فالغرق سيكون مصيره.
تقول الحكمة الصينية إن القريب من الماء يعرف خصائص السمك والقريب من الجبل يعرف زقزقة الطيور ونقول نحن العرب إن أهل مكّة أدرى بشعابها.