جانبي فروقة
يشهد عالمنا زيادة كبيرة في التوترات الجيوسياسية حيث وصل عدد الصراعات النشطة اليوم إلى 183 صراعا منها على سبيل المثال لا الحصر حرب روسيا وأوكرانيا مرورا بالتوترات في بحر الصين الجنوبي إلى الأزمات الإنسانية في الشرق الأوسط في سوريا واليمن ومؤخراً حرب إسرائيل على غزة، ويعد عام 2024م هو عام الانتخابات الوطنية حيث سيتوجه أكثر من نصف سكان العالم إلى صناديق الاقتراع في أكثر من 60 دولة.
وقد أثرت حالة عدم اليقين السياسي العالمي على الكثير من الدول والشركات حيث شهدنا خروج المئات من الشركات العابرة للقارات من روسيا وتأثر العديد منها في حرب إسرائيل على غزة، وكذلك الحرب التجارية المستعرة بين أمريكا والصين تثقل كاهل العالم.
وتسعى الدول والشركات اليوم لفهم التطورات الجيوسياسية وتطوير استراتيجيات فعالة للتعامل معها باستخدام مصطلحات كالبجع الأسود (Blach Swan)، ووحيد القرن الرمادي (Gray Rhinos)، والبطانات الفضية (Silver Linings).
فمصطلح البجع الأسود الذي صاغه الباحث نسيم نيكولاس يشير إلى الأحداث غير المتوقعة التي تكون نادرة الحدوث ولها تأثير مدمر مثل جائحة كوفيد 19 وأثرها الاقتصادي المؤلم، وكذلك الحرب الروسية في أوكرانيا وتأثيرها الاقتصادي على العالم وتعقيدات المشهد السياسي العالمي. وللاستعداد لأحداث البجع الأسود لا بد أن تبنى الاستراتيجيات على التخطيط والتنبؤ المسبق للأحداث غير المتوقعة وتعزيز التعاون الدولي لمواجهة الأزمات وسلاسل الإمداد والكوارث الطبيعية وبناء مرونة اقتصادية من خلال تنويع الاقتصاد وتنويع مصادر الدخل.
وأما مصطلح وحيد القرن الرمادي؛ فهو يرصد المخاطر الكبيرة المحتملة والتي يمكن التنبؤ بها وهو مصطلح قدمته ميشيل ووكر في كتابها في عام 2016م وكمثال حي على أحداث وحيد القرن الرمادي خطر التغير المناخي حيث رغم وضوح تأثيرات التغير المناخي إلا أن الاستجابة العالمية ما زالت غير كافية، وأيضا التوترات في بحر الصين الجنوبي الذي قد تشعل حربا وصراعا دوليا. ولمواجهة مخاطر وحيد القرن يجب تعزيز وتفعيل الاتفاقيات الدولية والتعاون في القضايا البيئية والأمنية والاستعداد للأزمات وتطوير خطط استباقية لمواجهة التحديات الجيوسياسية.
والمصطلح الأخير هو «البطانات الفضية» وهو يشير إلى الفرص في ظل التحديات، ويعبر هذا المصطلح عن الفكرة القائلة بأن كل سحابة مظلمة لها حافة فضية مما يعني أنه يمكن العثور على شيء إيجابي في الظروف السلبية، ومن الأمثلة الحية على تطبيق هذا المصطلح سعي وتوجه الدول للاستثمار في الطاقة المتجددة نتيجة التوترات الجيوسياسية حول النفط والغاز وتحديات التغير المناخي وكذلك التعاون الدولي في جائحة كوفيد 19 في المجال الصحي والعلمي ويجب على الدول لاستغلال البطانة الفضية الاستثمار في الابتكار والتكنولوجيا، وخاصة الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي لتعزيز القدرات التنافسية العالمية وتعزيز العلاقات الدولية من خلال الدبلوماسية الناعمة لمواجهة التحديات المشتركة.
إن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي سوف يساعد في التنبؤ بالسيناريوهات المستقبلية لأحداث البجع الأسود باستخدام تقنيات التعلم الآلي التي تحلل الأنماط والاتجاهات التاريخية وتخلق نظام إنذار مبكر ونظام تحليل للمخاطر المتعددة من اقتصادية وسياسية وبيئية. وعلى صعيد وحيد القرن الرمادي فإن تحليل الذكاء الاصطناعي للبيانات الشامل سيمكن من تحديد المخاطر الكبيرة وتقديم التوصيات لاستراتيجيات التخفيف من وطأتها وتوفير أدوات لدعم اتخاذ القرار المستنير والمراقبة المستمرة؛ مما يساعد في الاستجابة السريعة. وعلى صعيد البطانة الفضية سيساعد الذكاء الاصطناعي في اكتشاف الفرص الجديدة في ظل الأزمات وتطوير تقنيات فعالة فالذكاء الاصطناعي يمكنه تعزيز القدرة على الصمود والتكيف والنمو في عالم متغير ومعقد.
قال مرة ونستون تشرشل: «لا تدع أزمة جيدة تذهب سدى» وفي اللغة الصينية تعني كلمة «ويجي» الأزمة حيث أن «وي» تعني الخطر و«جي» تعني الفرصة.
** **
- كاتب مقيم في الولايات المتحدة الأمريكية