فضل بن سعد البوعينين
التعليم قاعدة البناء، وركيزة التحولات الاستراتيجية المهمة، والأكثر تأثيراً على القطاعات الاقتصادية، والمحرك الرئيسي للتنمية المستدامة. ولا يمكن تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة دون الاستثمار النوعي والمكثف في رأس المال البشري، وهو ما تؤكده تقارير البنك الدولي التي تعتبر التعليم من عوامل النمو المستدام، المحقق لعائدات مهمة للمجتمعات الإنسانية عموماً.
والتعليم في القطاعات العسكرية أكثر أهمية، لانعكاساته المباشرة على الأمن الوطني، وتحقيق متطلباته، ومواكبة المتغيرات العالمية، والتكنولوجية، والرؤى الاستراتيجية الحديثة، ودوره المهم في حماية المقدرات الوطنية، وتوفير البيئة الآمنة المعززة للتنمية والاستثمار.
الاهتمام بالتعليم والتدريب وتطوير القدرات البشرية في القطاعات المختلفة، والقطاع العسكري على وجه الخصوص، من أولويات القيادة، ومستهدفات رؤية 2030، حتى أصبح جزء لا يتجزأ من برامج التطوير المعتمدة في جميع الوزارات والجهات الحكومية والقطاعات التنموية.
وفي وزارة الدفاع، أطلق سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، برنامج تطوير وزارة الدفاع الذي كان من ثمراته مسار تحويل كلية القيادة والأركان للقوات المسلحة، إلى جامعة الدفاع الوطني، بعد 67 عامًا من التعليم العسكري المتميز.
الاستثمار في رأس المال البشري أحد أهم الاستثمارات المعززة للتنمية والتطوير والإبداع، وعندما يرتبط ذلك بمنظومة الأمن الوطني تُصبح انعكاساته كبيرة على الأمن، الذي يشكل قاعدة الاقتصاد، وعلى جميع القطاعات التنموية، والمجتمعات الإنسانية.
تدشين سمو وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز لجامعة الدفاع الوطني هو تدشين لمرحلة جديدة من التعليم الأكاديمي المحترف المعزز لتطوير القطاعات العسكرية ورفدها بالقيادات والكفاءات والممكن لمنظومة الأمن الوطني، ويشكل في الوقت عينه انعكاسا مباشرا لرؤية سمو ولي العهد الموجهة لتطوير وزارة الدفاع.
مرحلة جديدة من مراحل التعليم العسكري الاحترافي، والبحث العلمي، والدراسات الاستراتيجية المؤسسية الداعمة لمراكز صنع القرار، أطلقت بتدشين جامعة الدفاع الوطني، الصرح التعليمي المتخصص في إعداد وتأهيل القادة العسكريين والمدنيين، والذي أُضيف إلى منظومة التعليم المتميز في المملكة.
تأهيل القادة العسكريين والمدنيين، وتخريج كوادر وطنية محترفة، في مجالات الدفاع والأمن الوطني، سيسهم في تعزيز القدرات الأمنية السعودية، وتحسين كفاءتها، وسيسهم في تحقيق الرؤى الاستراتيجية المتوافقة مع الاحتياجات الوطنية التي ستبنى عليها المعارف والمهارات المطلوبة، إضافة إلى منظومة العلوم العسكرية، والتقنيات الحديثة، ومتطلبات التعليم الأكاديمي العالمي.
تخريج صانعي القرار في المستويين النقدي والاستراتيجي، واعتماد برنامج ماجستير الدراسات الاستراتيجية، سيرفد مراكز صنع القرار بكفاءات وطنية مسلحة بالعلم، وتمتلك الخبرات الواسعة، والمعرفة العميقة والقدرة على استشراف المستقبل والتعامل مع التحديات، وسيخلق البديل الموثوق للخبرات الأجنبية التي تسيطر على قطاع الدراسات الاستراتيجية عالميا. كما سيسهم في خلق قاعدة أكاديمية وبحثية محترفة يمكن استثمارها في التوسع الأكاديمي في القطاعات المتخصصة الأخرى، وبناء مزيد من مراكز البحث النوعية.
فالدراسات الاستراتيجية من الفروع الرئيسة في علوم الأمن الوطني، ويمكن أن يطال تأثيرها فروع أكثر شمولية وعمقا في قطاعات مختلفة، خاصة أنها تهتم بالعلاقة بين السياسة الدولية والاستراتيجية الجغرافية والدبلوماسية الدولية والاقتصاد الدولي والقوة العسكرية، ما يجعلها أكثر أهمية للمملكة ومستهدفاتها المستقبلية.
عندما تجتمع الوطنية، والتعليم العالي، والكفاءة المعرفية، والخبرات الواسعة فمن المتوقع أن تأتي المخرجات الاستراتيجية أكثر موثوقية، وجودة وتوافقا مع المتطلبات الوطنية، ومعايير الأمن الوطني.
وتشكل العقيدة العسكرية جانبا مهما في بناء القدرات وصناعة الكفاءات الوطنية، وارتباط التعليم العسكري بالبيئة الحاضنة، والأكاديميين الوطنيين، يعزز العقيدة العسكرية، والانتماء، والهوية الوطنية التي تعتبر جزءا أصيلا من تكوين المواطن والمواطنة السعوديين.
تحقيق التميز الأكاديمي والمهني داخلياً وخارجياً من مستهدفات الجامعة، ومن مستهدفات رؤية 2030، وأحسب أن من أهم أدوات التميز والجودة، التخصص التعليمي، والتركيز على قطاعات محددة تُشكل الهوية البارزة للجامعة، بالإضافة إلى التخصصات الأخرى المساندة.
التخصص الأكاديمي في قطاع الجامعات أمر غاية في الأهمية، وتدشين جامعة الدفاع الوطني، على قاعدة من التخصص الأكاديمي، ربما حَفَّز الجامعات السعودية الأخرى على النهج التخصصي في بناء الهوية الجامعية، أسوة بالجامعات المتخصصة في الدول المتقدمة تعليميا.