خالد بن حمد المالك
تردد على ألسنة المسؤولين الإسرائيليين ما نصه (حكومة صهيونية) في أعقاب استقالة غانتس وأيزنكوت من حكومة الحرب، وراحوا جميعاً يتحدثون عن تشكيل ائتلاف صهيوني، وعن حكومة وحدة حقيقية صهيونية وطنية، وليس عن تشكيل ائتلاف يهودي، حتى ولو كان الائتلاف اليهودي منغمساً بالإرهاب، وارتكاب أفظع الجرائم، لأن هذا سلوكهم أصلاً منذ قيام الاحتلال وإلى الآن.
* *
التركيز في هذا التوقيت على الصهيونية، وترددها على ألسنة وتصريحات من استقال من الحكومة أو بقي فيها، يتعارض مع ما كان يبدو من حذر لدى الإسرائيليين، حيث إنهم كانوا يتجنبون التصريح بها في أقوالهم، وإن ظهر منذ زمن من تحدث منهم بالقول بأنهم صهيونيون، وأنهم يفاخرون بذلك، ولعل تجديد وصف أنفسهم بهذه الصفة، إنما هو للتأكيد على رفع سقف أساليب الإرهاب الذي يمارسونه مع الفلسطينيين، لأنهم صهاينة أصلاً وفصلاً ومنشأ.
* *
واستقالة غانتس وأيزنكوت فجَّرت قضايا كثيرة، وأظهر حجم الارتباك في صفوفهم، وجانباً كبيراً من أوجه الاختلاف بين المهيمنين على القرار في إسرائيل، فقد طُرح من جديد موضوع تشكيل لجنة تحقيق وطنية للتعرّف على المقصرين في أحداث السابع من أكتوبر ومحاسبتهم، وسيكون على رأس القائمة رئيس الوزراء نتنياهو، كما أفرزت الاستقالة ارتفاع أصوات المطالبين باستقالة الحكومة، والذهاب إلى انتخابات مبكرة، على أساس أن فشل الحكومة الحالية في تحرير الرهائن والقضاء على حماس يستدعي تشكيل الائتلاف الصهيوني المطروح بعد أن حان الوقت لذلك كما يقولون.
* *
ومع أن هناك من أعضاء الحكومة بمن فيهم رئيس الوزراء من رأوا في الاستقالة أنها حققت ما كان يتمناه أعداء إسرائيل، إلا أن زعيم المعارضة لابيد يرى أنه حان الوقت لتشكيل حكومة عاقلة بدلاً من هذه الحكومة المتطرفة، مرحباً بالاستقالة حتى وإن جاءت متأخرة كما يقول، غير أن نتنياهو الذي تنتظره أربع قضايا فساد، ومسؤوليته بالشراكة مع غيره عن أحداث 7 أكتوبر، يتمسك باستمرار الحكومة لتجنب انتهاء دوره السياسي، والهروب من الملاحقة القضائية، بما يجعله مرغماً على القبول بإملاءات الأعضاء المتشددين في حكومته كوزير المالية ووزير الأمن القومي وغيرهما.
* *
لا تتوقعوا تغييراً في النهج الإسرائيلي، ومن موقف الحكومة من الحرب، فمن هو في الحكومة أو خارجها يجمعهم الإصرار على عدم السماح بدولة فلسطينية مهما كلفهم ذلك من أثمان باهظة، إذ لا يتوقع من غالات، وبن غفير، ولابيد، وغانتس، وأيزنكوت، ونتنياهو، وليبرمان، وسموتريتش، أن يكونوا عقلاء أو حكماء أو واقعيين للوصول مع الفلسطينيين إلى تافهمات وتفهم لإقامة دولة فلسطينية، وللعلاقات المستقبلية فيما لو تحقق للفلسطينيين إقامة دولة مجاورة لإسرائيل.
* *
زعيم المعارضة يتحدث عن أهمية أن تستعيد إسرائيل مكانتها الدولية، وهو بهذا كمن يتحدث عن الأضرار التي لحقت بإسرائيل نتيجة فشل الحكومة في التعامل بواقعية للإفراج عن الأسرى لدى حماس، دون جريمة الحرب التي أصبح العالم يتحدث بها وعن رد إسرائيل على أحداث السابع من أكتوبر، وهذا يظهر حجم الخلافات الإسرائيلية - الإسرائيلية داخل الحكومة وخارجها، وأن من يسيّر السياسة الإسرائيلية إنما هم مجموعة من المتطرفين الإرهابيين، غير العقلاء، المتطورطين بحرب إبادة، وجرائم حرب في قطاع غزة.