د. تنيضب الفايدي
التوسعة الثامنة
تمت هذه التوسعة سنة 979هـ وذلك عند وهن بعض الجوانب من سقوف المسجد الحرام، وفي عهد السلطان سليم خان أصبح الرواق الشرقي مائلاً مخيفاً، فأمر بتجديد عمارة المسجد الحرام وإعادة بنائه على أكمل وجوه الإتقان. وجعل سقوفه دائرية من البناء المشيد بدلاً من السقف الخشبي، وجعل السقف قباباً مبنية ومشيدة بالآجر والجص لتضفي على المصلين جوا بارداً، بدأ العمل في شهر ربيع الأول 980هـ واستمر حتى توفي السلطان سليم وجاء بعده السلطان مراد خان، واستمرت التوسعة دون توقف. وكان البناء قويا جداً حتى بقيت صامدة قوية رغم مرور خمسمائة عام فلم تؤثر عليها العوامل الجوية والسيول الجارفة. وفي عهد السلطان عبد الحميد الثاني تم ترميم وتجديد أرضية المطاف بالأحجار الكريمة والرخام وترميم القباب المحيطة بالطواف وكذلك فرش أرضية بيت الله الحرام وإصلاح ما يحتاج منها إلى ذلك.
التوسعة التاسعة
بلغ عدد الحجاج في بداية عهد الملك سعود بن عبد العزيز عام 1374هـ (232.971حاجاً) قدموا من خارج المملكة، ومثلهم من الداخل تقريباً، وكانت القدرة الاستيعابية للمسجد الحرام لا تزيد على خمسين ألف حاج فقط، فكان المسجد بحاجة شديدة إلى التوسعة، وقد تم ذلك في عهد الملك سعود -رحمه الله- حيث أعلن في الخامس من المحرم عام 1375هـ بداية تنفيذ مشروع توسعة المسجد الحرام وعمارته.
وقد بلغت مساحة المسجد الحرام بعد التوسعة الأولى أكثر من 160 ألف متر مربع، بعد أن كانت قبل التوسعة السعودية نحو 29 ألف متر مربع.
وروعي في هذه التوسعة إبقاء الأروقة العثمانية على ما هي عليه محافظة على صورتها القديمة، فتمّ توسعته من وراء البناء القديم ليحيط البناء الجديد بالبناء القديم. كما روعي في تصميمها: أن تكون على نمط البناء القديم من حيث دائرية الأعمدة وما يتخللها من دعامات مربعة بحيث يكون بين كل عدد من الأعمدة الدائرية القطر عمود واحد مربعة الشكل، كما هو الحال في البناء القديم، وفي نفس الوقت صممت أن تكون سقوفها مسطحة بالخرسانة المسلحة وليس قباباً مجوفة، وذلك لأن التوسعة الجديدة تكونت من ثلاثة طوابق وكلها مصليات فلا تصلح أن تكون قبابا، بل يجب أن تكون مسطحة.
كما تم إحداث سبع مآذن رئيسية بعد إزالة المآذن القديمة من البناء القديم، حيث وزعت مئذنتان رشيقتان متقاربتان ومتساويتان في كل ركن من أركان المسجد الحرام. فمئذنتان: على باب الملك عبد العزيز الموازي لباب أم هانئ، ومئذنتان: على باب العمرة، ومئذنتان: على باب الفتح الموازي لباب السلام تقريباً، ومئذنة واحدة على باب الصفا،فكانت هذه التوسعة هي الأكبر في تاريخ المسجد الحرام، ولا تزال هذه التوسعة باقية إلى اليوم.
وفي عهد الملك خالد لاحظ أثناء غسله الكعبة المشرفة أن بابها قد أصابه بعض الخلل، فأمر بصنع باب جديد لها مغطى بصفائح الذهب مع صنع قفل جديد له، وتم تركيبه في نهاية عام 1398هـ. وبلغت كلفته أكثر من ثلاثة عشر مليون ريال سعودي.
التوسعة العاشرة
هي توسعة الملك فهد بن عبد العزيز -رحمه الله-، حيث قام بتوسعة جديدة للمسجد الحرام وقد بدأت أعمال التوسعة من شهر صفر عام 1409هـ، وانتهت في ذي القعدة عام 1413هـ. وبلغت المساحة الجديدة لهذه التوسعة 75.00م2.
وتميزت توسعة الملك فهد بأنها مكيفة بالكامل بطريقة فنية، كما جرت توسعة الشوارع والميادين المحيطة بالمسجد وبذلك أصبحت مساحة المسجد الحرام بعد التوسعة السعودية الأولى وتوسعة الملك فهد وبإضافة مساحات الميادين والشوارع المحيطة بالمسجد الحرام نحو 400 ألف متر مربع، بحيث يمكن أن تستوعب نحو مليون مصلٍّ.
تم بناء هذه التوسعة على نمط العمارة السعودية الأولى، وتم في هذه التوسعة إضافة مئذنتين جديدتين على باب رئيسي تم استحداثه في هذا الجانب من المسجد الحرام بمسمى (باب الملك فهد)، فأصبح للمسجد الحرام بهذا تسع مآذن، وتميزت هذه التوسعة بوجود قباب واسعة الفناء والتجويف رائعة المنظر جميلة الأشكال مما أكسبها جمالاً ورونقاً وشموخاً.
التوسعة الحادية عشرة
ثم سار الملك عبد الله بن عبد العزيز -رحمه الله- على نهج والده الملك عبد العزيز وأبنائه الملوك من بعده من حيث الاهتمام بشؤون المسجد الحرام وخدمة الحجاج، حيث أمر بتوسعة المسعى في المسجد الحرام، ويعدّ هذا المشروع من أهم المشروعات التي أمر بها الملك عبد الله، فباكتمال مشروع توسعة المسعى يؤدي الحجاج والمعتمرون مناسكهم بكل يسر وسهولة.
كما أمر الملك عبد الله في عام 1428هـ ببدء مشروع توسعة الساحات الشمالية للحرم المكي بامتداد 380، وإقامة أنفاق للمشاة والمحطات،
ليستوعب المشروع نحو نصف مليون مصلٍّ بعد اكتماله.
التوسعة الثانية عشرة
وفي عهد الملك سلمان بن عبد العزيز ضاعف هذا المشروع مساحة الحرم المكي من 12 ألف متر مربع إلى أكثر من مليون متر مربع، ويتكون من 4 أدوار. ويُعدُّ مشروع التوسعة السعودية الثالثة نقلة نوعية في تاريخ المسجد الحرام؛ إذ بلغ إجمالي مسطح المبنى (345000م2)، ويصل أعداد المصلين إلى (300000) مُصَلٍّ، ويحوي ساحات ومسطحات وجسورًا تبلغ مساحاتها (239000م2)، وتصل قدرتها الاستيعابية إلى (566000) مُصلٍّ. وتشمل التوسعة السعودية الثالثة (4) منارات، بارتفاع (135م)، ويبلغ عدد السلالم الكهربائية بكامل المشروع (680) سُلمًا؛ لتسهيل عملية تنقل الزوار في أرجاء التوسعة.
وضمَّت توسعة الحرم المكي (22) قبة، موزعة على (12) زجاجية متحركة، و(6) زجاجيات ثابتات على منسوب الطابق الثاني، والثاني ميزانين، وأربع قباب ثابتات على القاعات الوسطية الموجودة بالطابق الثاني. أما مشربيات زمزم فيبلغ (2010) مشربيات.
وهكذا أصبحت عمارة المسجد الحرام أيقونة معمارية وحضارية يشار إليها على مستوى العالم، ولازالت مسيرة الخير والتنمية والازدهار متواصلة لراحة الحجاج والمعتمرين والزوار ولله الحمد.