سارا القرني
بعد يومين.. يطلّ علينا يومٌ من أفضل أيام السنة.. بل خير يومٍ طلعت عليه الشمس، وفيه يباهي اللهُ ملائكته بعباده، وفيه يحثّ الناس أنفسهم على الدعاء والرجاء، ولا ييأسون من رَوح الله، فعن الفضيل بن عياض أنه نظر إلى تسبيح الناس وبكائهم عشية عرفة، فقال: «أرأيتم لو أن هؤلاء صاروا إلى رجل فسألوه دانقاً - يعني سُدس درهم- أكان يردهم؟»، قالوا: لا والله، قال: «واللهِ لَلْمَغفرة عند الله أهون من إجابة رجل بدانق»!
وروي عن أنس رضي الله عنه أنه قال: وقف النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات وقد كادت الشمس أن تؤوب، فقال صلى الله عليه وسلم: «يا بلال، أنصت لي الناس»، فقام بلال فقال: أنصتوا لرسول الله، فأنصت الناس فقال: «معشر الناس، أتاني جبريل عليه السلام آنفًا فأقرأني من ربي السلام وقال: إن الله عز وجل غفر لأهل عرفات وأهل المشعر وضمن عنهم التبعات»، فقام عمر بن الخطاب فقال: يا رسول الله، لنا خاصة، قال: «هذا لكم ولمن أتى من بعدكم إلى يوم القيامة»، فقال عمر بن الخطاب: كثر خير الله وطاب.
وكان حال السلف في يوم عرفة عظيم، فمنهم من غلب بكاؤه دعاءه كالفضيل بن عياض.. فلم يدعُ حتى غربت الشمس فقال «واسوأتاه منك وإن عفوت» يقولها خجلاً وحياءً من الله، ومنهم من تعلّق ظنّهُ باللهِ خيراً فجثى على ركبتيه كسفيان الثوري.. الذي سأله عبد الله بن المبارك وهو على جاثٍ «من أسوأ هذا الجمع حالاً؟ فقال سفيان «الذي يظنّ أنّ الله لا يغفر له»، ومنهم من لم يجد دعاءً إلا «يا ربّ قد كَبُرتُ فأعتقني»، وكان بعض السلف يُنشدُ في يوم عرفة فيقول:
سبحان من لو سجدنا بالعيون لهُ
على حِمَى الشوك والمُحمى من الإبر
لم نبلغ العُشر من معشار نعمته
ولا العشير، ولا عُشرًا من العُشر
هو الرفيع فلا الأبصار تدركه
سبحانه من مليكٍ نافذِ القدر
سبحان من هو أُنسي إذ خلوتُ به
في جوفِ ليلي وفي الظلماء والسَّحَر
وفي يوم عرفة.. حجّت أمنا أسماءُ بنت عميس مع النبيّ صلى الله عليه وسلم، فقالت أمنا أسماء «حَجَجْتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الحجة، فبينما نحن نسير إذ تَجلَّى له جبريل، فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم على الراحلة، فلم تطق الراحلة من ثقل ما عليها من القرآن، فبركت فأتيته فَسَجَّيْتُ عليه بُرْدًا كان علي» وقد أُوحي إليه بقوله تعالى « اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً»!
يقول السُدّي في تفسيره «نزلت هذه الآية يوم عَرَفَة، فلم ينزل بعدها حلال ولا حرام حتى مات رسول الله صلى الله عليه وسلم»، وجاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: يا أمير المؤمنين، إنكم تقرؤون آية في كتابكم، لو علينا معشر اليهود نزلت؛ لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا؛ قال: وأي آية؟ قال قوله: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي)، فقال عمر: والله إني لأعلم اليوم الذي نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، والساعة التي نزلت فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، نزلت عَشية عَرَفَة في يوم جمعة.
فاللهمّ اغفر لنا في يوم أكملت علينا فيه دينك، وأتممت علينا نعمتك، ورضيت لنا الإسلام ديناً.