د. محمد بن إبراهيم الملحم
ما نتحدث عنه اليوم هو قرار دارت حوله التساؤلات وأوقع المتبصر في دائرة الحيرة، فأصحاب القرار أصدروه بطريقة أجحفت في حقه فهاجمه الناس هجوماً عنيفاً، وهذا القرار ليس إلا قرار الفصول الثلاثة شاغل الدنيا ومالئ المجالس، والذي تناوله القوم بالقدح فيه والنيل منه والتنكيل بفكرته بيد أنه قرار مفيد وفكرة ناجعة لصالح تعلم الطالب وتحسن نتائجه لقلة ما يختبر فيه من كم المادة العلمية، أقول ذلك مع أني مؤيد لمن اعترضوا عليه وتبرموا منه، وإن مدحته وأثنيت وذكرت فوائده، وتأييدي لهذا الاعتراض هو لما شابه من التباسات التطبيق إذ لم يأت وحده بل صدرت معه قرارات أخرى خلطت الأوراق ببعضها فضاعت هوية هذا القرار وجاء حاملاً في تضاعيفه قراراً آخر هو تقليص الإجازة الصيفية إلى شهرين فقط، وهو محل الاعتراض في الواقع، ومعه أيضاً قرار ثالث هو إجازات نهاية الأسبوع المطولة وكلاهما محل تبرم ونقد، وخاصة الأول فقد كان تقليص الإجازة الصيفية ثقيل الوطء إلى حد بعيد فبعث كل ألوان الهجوم.
المحير في الأمر أن هجوم الناس لم يكن على هذا القرار ذاته، أعني تقليص الإجازة الصيفية، وإنما اتجه فقط إلى قرار الفصول الثلاثة، فنال شهرة الهجوم والقدح، ولا أعلم ما الذي حجب الحقائق وأعمى العيون عن كون قرار الإجازة قراراً منفصلاً يستحق الحديث بشكل صريح، وأرى أنه نجا من ذلك لأنه لم يصدر مستقلاً بل تم تدشينه في جيب قرار «الفصول الثلاثة» المسكين الذي هو أكثر ظهوراً وحضوراً فله رجلان يمشي بهما وتكوين يجسّده فيعايشه الطلاب وأهاليهم والمعلمون والمعلمات يومياً في دائرة روتينهم اليومي، فجاء يمشي إلى الناس ولم يفرقوا بينه وما يحمله في جيبه، فاستهجنوه ذاته وطردوه شر طردة. وتعدد ما لاقاه هذا المسكين من هجوم لاذع وتبرم مستمر مع أنه ليس هو غريم القوم، وإنما قرار تقليص الإجازة الكامن في جيبه فكان جزاؤه أن تصله هو كل حجارة الرفض وبقي قرار الإجازة مختبئاً لا يصله من تلك الحجارة فتات حصاة، ولنتصور أيها السادة الكرام ثلاثة فصول لو أنها صدرت دون أن يأتي معها تقليص الإجازة الصيفية ولا الإجازات المطولة فكيف سيكون رد الفعل يا ترى! أجزم أنه مختلف جداً وسيكون هناك تقبل أكثر وربما لا تصدر هذه الهجمات الشرسة البتة.
هكذا تعرض القرار للضرر من الناس كما تعرض للضرر من جهته التي أصدرته فكان يبنغي لها أن ترعاه كأم رؤوم تربيه أحسن التربية وتقدمه للناس في أحسن اللباس ولا تخلط الأوراق هكذا فتضيعه ليؤكل الثور الأحمر يوم أكل الثور الأبيض، هذه الحيرة في قرار الفصول الثلاثة ظلت تدور وتعمل حتى وصلت مجلس الشورى والذي طرق الموضوع، ويبدو أنه طالب أيضاً بإعادة النظر فيه! وسمعنا مؤخراً عند زيارة معالي وزير التعليم -وفقه الله- إلى المجلس أن قرار الفصول الثلاثة تحت الدراسة للتعرف على سلبياته وإيجابياته، والواقع إن كل قرار ينبغي أن يكون كذلك فلمعاليه وزملائه الشكر والتقدير، ولكن ما يلفت الانتباه هو أن معاليه لم يتحدث عن القرارات الضمنية أعني تقليص الإجازة الصيفية والإجازات المطولة، وهل هي تحت الدراسة أيضاً أم لا! كما أن مجلس الشورى الموقر لم يتحدث عنها أيضاً! وكل ذلك يدير الحيرة في أمر هذا القرار المرة تلو المرة فلماذا هذا الخلط العجيب عند الوزارة والناس وحتى المجلس!
وختام ذلك وملخصه أني أرى أن من انتقدوا الفصول الثلاثة وتركوا الكلام عن الإجازات لم يظلموا القرار فقط بل إنهم ظلموا أنفسهم أيضاً، ففي حين أنهم يطمحون إلى عودة الإجازة الصيفية لمدتها السابقة، قد يتفاجأون لقاء انحرافهم عن هدفهم الأساس بأن اتجهوا للتشنيع على الفصول الثلاثة أن ينتهي بهم الأمر حيث الفصول الثلاثة تلغى وتبقى الإجازة الصيفية بمدتها الحالية المقلصة إلى شهرين فكيف سيكون الحال!
** **
- مدير عام تعليم سابقاً